مشهدان ارتسما في أجواء الحياة السياسية اللبنانية الملبدة بالحملات الإعلامية المتبادلة بين قوى 8 آذار وحلفائها من جهة، وقوى 14 آذار من جهة مقابلة.
فبعد المؤتمر الصحافي الذي عقده اللواء الركن المتقاعد جميل السيد، والذي حمل فيه بشدة على كل من رئيس الحكومة سعد الحريري وفريقه السياسي والإعلامي والأمني والقضائي، وعلى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، على خلفية ما بات يعرف في لبنان بملف "شهود الزور"، وبعد الحملة التي شنها رئيس تكتل "التغيير والإصلاح" النائب ميشال عون على "شعبة المعلومات" في قوى الأمن الداخلي، على خلفية التحقيق مع العميد المتقاعد فايز كرم بشبهة التعامل مع إسرائيل، وبعد إعلان رئيس كتلة "الوفاء للمقاومة" محمد رعد عدم الاعتراف بأكثر من سبعين مشروع قانون سبق لحكومة الرئيس فؤاد السنيورة الأولى أن أحالتها الى المجلس النيابي لإقرارها، ردت قوى 14 آذار من خلال أمانتها العامة ببيان - نداء، جاء مختلفا في لهجته عن الصياغات السياسية التي كانت تعتمد تدوير الزوايا مواكبة لأجواء التهدئة التي يقودها الرئيس سعد الحريري منذ توليه رئاسة الحكومة، فاتهمت حزب الله من خلال اللواء المتقاعد جميل السيد والنائب ميشال عون بقيادة انقلاب للعودة بالأمور في لبنان الى ما كانت عليه قبل 14 آذار 2005، داعية مناصريها الى الاستعداد لمواجهة هذا الانقلاب والتصدي له.لكن التطور الحقيقي في رأي المراقبين جاء من خلال مذكرة الجلب التي أصدرها مدعي عام التمييز القاضي سعيد ميرزا في حق اللواء الركن المتقاعد جميل السيد للتحقيق معه بتهمة تهديد رئيس الحكومة والسلم والأهلي والإساءة الى علاقات لبنان الخارجية، من خلال اتهامه أحد أركان السفارة المصرية في لبنان بتحريض اللبنانيين على الاقتتال.وقد اختلفت التوقعات بشأن ما يمكن أن تؤدي اليه مذكرة الجلب في حق السيد من انعكاسات على التوازنات اللبنانية الهشة.ففي حين رأى فيها القريبون من 8 آذار فتيلا يشبه القرارات الحكومية التي استهدفت رئيس جهاز أمن المطار العميد وفيق شقير في 5 أيار 2008، والتي كانت الذريعة التي استخدمها حزب الله لاحتلال بيروت وفرض أمر واقع سياسي جديد يتجاوز نتائج الانتخابات النيابية عام 2005، رأى دائرون في فلك قوى 14 آذار أن المرحلة الراهنة مختلفة تماما، وأن الوضع اللبناني اليوم محكوم باتفاق اقليمي سوري – سعودي لا يسمح لحزب الله من خلال اللواء جميل السيد، ولا للنائب ميشال عون بقلب الطاولة واعادة خلط الأوراق اللبنانية على النحو الذي يمكنهم من الإمساك بالسلطة وفرض التخلي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان تحت شعار "تصحيح" الوضع الناشئ عن "شهود الزور".وتتهم مصادر قوى 14 آذار حزب الله وحلفاءه بالسعي الى تزوير حقائق تاريخية ثابتة لتبرير انقلابهم السياسي بادعاء ان المتغيرات السياسية التي شهدها لبنان بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري بدءا بسقوط حكومة الرئيس عمر كرامي ووصولا الى نتائج الانتخابات النيابية لدورتي 2005 و2009، مرورا بانسحاب الجيش السوري من لبنان وتأسيس المحكمة الدولية، جاءت نتيجة لمعطيات مزورة أدلى بها بعض "الشهود الذين ضللوا التحقيق، وسعوا إلى توجيهه على النحو الذي يخدم المصالح السياسية لقوى 14 آذار".وتلفت مصادر قيادية في الأكثرية الى جملة من الوقائع الثابتة التي تدحض اتهامات قوى 8 آذار، من أبرزها:1 - ان الاتهام السياسي لسورية وحلفائها في ما بات يعرف منذ اغتيال الرئيس رفيق الحريري بالنظام الأمني اللبناني - السوري، لم يأت في ضوء عمل لجنة تقصي الحقائق، ولا لجنة التحقيق الدولية، ولا المدعي العام لدى المحكمة الدولية الخاصة بلبنان، ذلك ان الاتهام جاء بصورة عفوية من خلال الهتافات التي رددها عشرات الآلاف من اللبنانيين الذين تظاهروا في شوارع بيروت ساعات قليلة بعد اغتيال الرئيس رفيق الحريري. يومها تؤكد أوساط قوى 14 آذار أن النبض الشعبي أدلى بدلوه في هذه المسألة، مستبقا كل ما يمكن ان يكون قد صدر في هذا المجال عن اي شخصية او تجمع سياسي. 2 - إن تغيير موازين القوى السياسية في لبنان لم ينتظر الانتخابات النيابية التي فازت فيها قوى 14 آذار، وإنما بدأ قبل ذلك بأشهر مع سقوط حكومة الرئيس عمر كرامي تحت وطأة التظاهرات الشعبية. ويومها لم تكن قوى 14 آذار تتوقع مثل هذا السقوط الذي فاجأ رئيس مجلس النواب نبيه بري كما فاجأ أركان "المعارضة" (قوى 14 آذار) الذين كانوا يتظاهرون في ساحة الشهداء. وقد رفع المتظاهرون صور الضباط الأربعة جميل السيد المدير العام للأمن العام، وعلي الحاج المدير العام لقوى الامن الداخلي، وريمون عازار مدير المخابرات في الجيش اللبناني، ومصطفى حمدان قائد لواء الحرس الجمهوري، الى جانب صورتي رئيس جهاز الأمن والاستطلاع في القوات السورية التي كانت عاملة في لبنان العميد رستم غزاله ومدعي عام التمييز القاضي عدنان عضوم، مشيرين الى مسؤوليتهم عن جريمة الاغتيال قبل الانتخابات النيابية عام 2005.3 - إن نتائج انتخابات عام 2005 سبقت توقيف الضباط الأربعة بناء على توصية من لجنة التحقيق الدولية برئاسة ديتليف ميليس، وبالتالي فإن اعتبار قوى 8 آذار بأن "شهود الزور" كانوا جزءا مما يصفونه بأنه انقلاب سياسي استفادت فيه قوى 14 آذار من "افادات مزورة" للإمساك بالسلطة ليس واقعة صحيحة بالاستناد الى التسلسل الزمني للتطورات المتعلقة بالتحقيق الدولي وبالتغييرات في تركيبة السلطة اللبنانية.وتشير مصادر قوى 14 آذار في ضوء هذا العرض الى أن التلطي بقضية "شهود الزور" للمطالبة بتجاوز نتائج دورتين انتخابيتين، ولفرض موازين قوى جديدة من خلال التهديد بتعطيل المؤسسات الدستورية للدولة اللبنانية او باللجوء الى السلاح من جديد ليس سوى حجة واهية، بعيدة عن الحقيقة، لا يمكن أن تشكل الغطاء السياسي الكافي للجولة الجديدة من محاولات الانقلاب المستمرة على دفعات منذ خمس سنوات. وتعتبر أن تكرار "نموذج 7 ايار" بذريعة ملاحقة اللواء جميل السيد قضائيا يبقى في حاجة الى غطاء سياسي سوري تختلف التقديرات بشأن مدى توافره لحزب الله وحلفائه.ففي حين يرى البعض أن اللواء السيد والنائب ميشال عون لا يمكن أن يقدما على ما أقدما عليه إلا بعد استمزاج رأي القيادة السورية، خصوصا أن الأول عقد مؤتمره الصحافي بعد اجتماع مع الرئيس السوري بشار الأسد، والثاني صعد مواقفه بعد زيارة صهره وزير الطاقة جبران باسيل للرئيس السوري، يؤكد آخرون أن كلا من السيد وعون وقع في خطأ تقديري للحسابات السياسية ولقراءة المعادلات سيدفعان ثمنه.أما مؤشر الربح والخسارة بالنسبة الى كل من الفريقين المتواجهين في لبنان فهو في حاجة إلى بعض الأيام قبل أن يتضح من خلال:1 - مصير مذكرة الجلب الصادرة بحق اللواء المتقاعد جميل السيد الموجود في باريس، فإذا تحولت الى مذكرة بلاغ وتحر، فإن هذا يمكن أن يشكل مؤشرا الى عدم وجود غطاء سوري لما أقدم عليه من تصعيد، وهو ما سيدفعه إلى البقاء خارج لبنان على الأقل في المرحلة القريبة المقبلة، تلافيا لتوقيفه لدى وصوله الى مطار بيروت.2 - مصير الاستنابات القضائية السورية التي قال السيد إنها ستتحول الى مذكرات توقيف غيابية في حق رموز من الفريق الإعلامي والسياسي والأمني والقضائي للرئيس الحريري. فإذا بقيت الاستنابات على حالها فإن ذلك سوف يعتبر مؤشرا اضافيا الى غياب الغطاء السياسي السوري لتحرك السيد ومواقفه. أما في حال تحولها الى مذكرات توقيف فإن هناك من يذهب في التفسير الى حدود الحديث عن "توازن رعب" بين مذكرة البحث والتحري في حق السيد ومذكرات التوقيف الغيابية المحتملة في حق أعضاء في فريق الحريري، ربما فتح الباب أمام تسوية تلغي كل المذكرات.3 - أما بالنسبة الى النائب ميشال عون فهناك في فريقه من يهمس بأن نتائج زيارة الوزير باسيل لسورية سوف تظهر من خلال قرار "دراماتيكي" يتخذه القضاء العسكري بشأن قضية العميد المتقاعد فايز كرم تصب في غير مصلحة مصداقية التحقيق الذي تولته "شعبة المعلومات" في قوى الأمن الداخلي.من هنا فإن المراقبين يعتبرون أن الوضع اللبناني مرشح للبقاء في دائرة الغموض لايام إضافية مقبلة، في انتظار اتضاح حقيقة الموقف السوري في ظل رأيين:- الأول يعتبر أن سورية تغطي جولة جديدة من جولات حلفائها للإمساك بمفاصل الحياة السياسية في لبنان.- والثاني يرى أن حلفاء سورية سيكتشفون أن تحركهم يفتقد الغطاء المطلوب في ضوء التزام دمشق بتفاهمها مع المملكة العربية السعودية.
دوليات
مذكرة جلب السيد تذكر بقرار عزل شقير عشية «7 أيار» ودمشق «بيضة القبان» في سعي «8 آذار» إلى الإمساك بالقرار اللبناني
17-09-2010