لا نعرف حقيقة ما سياسة الحكومة تجاه محاربة الفساد؟ أو ما طبيعة الرسالة التي تريد أن ترسلها إلى الرأي العام عندما يتعلق الأمر بموقفها من الفساد؟ إذ إنه من الملاحظ أنه في الوقت الذي تكثر فيه الحكومة من الحديث الإعلامي عن التزامها بالدستور فإننا لا نجدها تلتزم بالممارسة بتطبيق مواده المتعلقة بمحاربة الفساد وحفظ الأموال العامة وصيانتها.
وفي الوقت الذي تتحدث فيه الحكومة عن "خطة التنمية" فإنها لا تعير اهتماما كافيا لمحاربة الفساد، رغم أنه لا يمكن إطلاقا أن تتحقق عملية التنمية المستدامة في ظل انتشار الفساد واستشرائه في مؤسسات الدولة، خصوصا الفساد السياسي الذي تنمو في ظله وتنطوي تحت عباءته أنواع الفساد الأخرى وأشكاله كافة. ليس ذلك فحسب بل إن الحكومة تقف، في أغلب الأحيان، متفرجة ولا تحرك ساكنا عندما تتكشف حالات الفساد الفاحش الواحدة تلو الأخرى، بل إنها، في مرات عديدة، تلتزم الصمت المريب عندما تطفو حالات الفساد على السطح على أمل، على ما يبدو، أن تمر العاصفة وينسى الناس ما تكشفه وسائل الإعلام من فساد سياسي ومالي وإداري رغم أن ذلك يعتبر سياسة خاطئة تؤدي تدريجيا إلى اهتزاز ثقة الناس بالحكومة وتآكل مصداقيتها أمام الرأي العام. والشواهد على ذلك كثيرة ومتنوعة لكن دعونا نأخذ، على سبيل المثال لا الحصر، كيف تعاملت الحكومة مع حالة الفساد المالي والإداري وتضارب المصالح في المجلس الأعلى للبترول الذي كشفت عنه الإجابة الرسمية لوزير النفط عن سؤال النائب أحمد السعدون، إذ إنه وبالرغم من أن المعلومات التي فضحت تعارض المصالح في مجلس البترول كانت معلومات رسمية دقيقة وموثقة، وبالرغم أيضا من مضي أكثر من ثلاثة أشهر على انكشاف "الفضيحة"، وبالرغم من الكتابات الصحفية الكثيرة والتصريحات النيابية المتعددة التي انتقدت وبشدة وجود تعارض مصالح في أحد المجالس الحكومية ذات الأهمية القصوى، فإن الحكومة لم تتخذ أي قرار أو إجراء يعيد للقانون هيبته، ويحفظ الأموال العامة، ويحاسب من كان سببا في التعدي على القوانين وفي استنزاف المال العام لأغراض شخصية. لقد اعترفت الحكومة بوجود حالة تضارب صارخ للمصالح في المجلس الأعلى للبترول، ثم ماذا فعلت بعد ذلك غير الصمت المريب؟ فأي رسالة يا ترى تريد الحكومة أن تبعث بها للمسؤولين عن حالات الفساد السياسي والإداري والمالي الكثيرة والمختلفة التي تعترف بها علنا أجهزتها الرسمية مثل جهاز متابعة الأداء الحكومي؟ ثم، مرة أخرى، ما طبيعة الرسالة التي تريد الحكومة أن توجهها للرأي العام؟ وكيف سيثق الناس ويصدقون بأن الحكومة ستحسن التصرف في 37 مليار دينار المخصصة "لخطة التنمية" وهي تقف الآن عاجزة عن وقف الفساد الواضح والمفضوح في أحد أجهزتها الرسمية واسترداد الأموال العامة التي صرفت بالمخالفة للقانون وأخلاقيات الوظيفة العامة؟
مقالات
الفساد والسياسة الحكومية الملتبسة
11-10-2010