ما حصل في لبنان, باستقالة وزراء ما يسمى تحالف الثامن من آذار وإسقاط حكومة سعد الحريري, كان متوقعاً وهو جاء كمحطة على طريق, إن استمرت الأمور متوترة على هذا النحو وشديدة التعقيد وفق ما هو قائم الآن, فإنه سيؤدي حتماً إلى تراجع الحلول السياسية وانتهاء الوساطات التي باتت تلفظ أنفاسها الأخيرة واللجوء إلى السلاح على غرار ما بقي يشكل أسوأ الخيارات في لبنان بسبب التدخلات الخارجية في شؤونه الداخلية التي تستند دائماً وأبداً إلى هشاشة تركيبته الديموغرافية والتزام أهله بهوياتهم الطائفية والأثنية أكثر من التزامهم بما هو مفترض أنه هويتهم الوطنية.

Ad

لقد كانت هناك محاولات إقليمية جادة مدعومة بتوجهات دولية فعلية لنزع صاعق الانفجار من هذه الأزمة المستفحلة, التي بدأت باغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري في عام 2005، بل بصدور قرار مجلس الأمن الدولي رقم 1559 الذي كان صدر قبل ذلك، ثم استمرت على مدى الأعوام الستة الأخيرة ما إن تخرج من حلقة نارية ملتهبة حتى تدخل حلقة جديدة, لكن هذه المحاولات, مع اقتراب صدور قرار المحكمة الدولية الذي من المتوقع أن يوجه اتهاماً واضحاً إلى أعضاء في حزب الله اللبناني بعملية الاغتيال الآنفة الذكر, انتهت باعتراف أصحابها بدون أن تنجز أكثر من هدنة متأرجحة غدا مؤكداً أنه من المستحيل تجديدها مرة أخرى.

والسؤال الذي غدا مطروحاً بعد استقالة وزراء حزب الله والمتحالفين معه وإسقاط حكومة سعد الحريري هو: ما هي الخطوة التالية وهل أن أحد الطرفين الرئيسيين المتناحرين, أي الرابع من آذار والثامن من آذار, سيتنازل للآخر فتهدأ الأمور ويصبح الحل المطلوب والضروري ممكناً أم أن المواجهة الساخنة أصبحت الخيار الذي انزاحت كل الخيارات من أمامه؟!

الواضح أن كل الحلول الوسطية التي تحافظ على استمرار معالجة هذه الأزمة المستفحلة بالطرق الدبلوماسية وبالأساليب الديموقراطية وما يسميه اللبنانيون الخيارات الدستورية السلمية غدت مستبعدة حتى وإن تم اللجوء إلى هذه الطرق والخيارات والأساليب بعض الوقت مادام أن حزب الله ومعه تحالفه الداخلي والخارجي يصر على إسقاط المحكمة الدولية وعلى تبرُّؤ رئيس الوزراء المطاح بحكومته من قرار هذه المحكمة قبل صدوره، ومادام أن سعد الحريري ومعه تحالفه الداخلي والخارجي يتمسك بهذه المحكمة وينتظر قرارها على أحر من الجمر، ومادام أنه يصر أيضاً على أن المعادلة يجب أن تكون: أن العدالة هي التي تؤمن الاستقرار وليس إما العدالة وإما الاستقرار.

والمشكلة هنا أن لبنان بقي دائماً وأبداً ساحة مواجهة بين القوى الدولية والإقليمية المتصارعة على هذه المنطقة، وهذا ما حدث عندما انفجرت أزمة عام 1860 وعندما اندلعت حرب عام 1958 الأهلية وحرب 1974 الأهلية أيضاً التي استمرت زهاء ستة عشر عاما حيث توقفت بعدها في محطة مؤتمر الطائف الشهير، لكن جمرها بقي»يُعَسْعِسُ» تحت الرماد، وها هي الآن باتت مهيئة للانفجار في أي لحظة.

لاشك أن هناك عوامل طائفية كثيرة هي التي تجعل لبنان يعيش حالة قلق وأرق مستمرة، لكن لاشك أيضاً أن القوى المتنافسة على هذه المنطقة تجد دائماً وأبداً في هذه التعارضات والتناقضات اللبنانية كل المبررات لتخوض حروبها وصراعاتها على ساحة لبنان وبأهل لبنان، وهذا هو المتوقع الآن طالما أن طرق التسويات والوساطات قد أصبحت مغلقة بعد استقالة وزراء حزب الله وحلفاء حزب الله من حكومة سعد الحريري، وطالما أن القوى الإقليمية المتناحرة قد استنفدت إمكانيات حل مشاكلها بالأصابع ولم يعد هناك إلا اللجوء للأسنان والقوة العسكرية، وطالما أنه لم يعد هناك مفر من أن تُصْدرَ المحكمة الدولية قرارها الاتهامي الذي طال انتظاره.