مذبحة المناصب القيادية!
اتهام الحكومة بالتلذذ بصفقات المناصب القيادية السياسية، إن لم يكن حتى الشراكة فيها، في محله لسبب واحد، وهو بقاء نظام التعيينات في المناصب القيادية كما هو منذ الاستقلال رغم ثورة نظريات التنمية والإدارة، ونجاحها في كثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.
حرب التصريحات النيابية المعلنة والاستباقية للترشيحات الخاصة بالمناصب القيادية العليا في الدولة، والضغوط التي تمارس خلف الكواليس تكشف بوضوح خطورة وأهمية هذه المناصب وطبيعة المنافع المتوقعة منها ودرجة انكشافها للصراع السياسي.وكما يقال إن "المكتوب باين من عنوانه" فإنه من السهولة بمكان تحديد هوية المرشح لأي منصب قيادي ومعرفة توجهاته السياسية أو ميوله الحزبية من خلال النواب الذين يصرحون معه أو ضده، وكما أنه انكشف بالأمس القريب من خلال الاستنفار النيابي الحاشد للتجديد لمدير الجامعة السابق أي تيار سياسي أو كتلة برلمانية تقف وراء الرغبة المستميتة في استمراره في منصبه، فإن ترشيحات القياديين في مؤسسة البترول الكويتية خصوصاً الرئيس التنفيذي للمؤسسة أشعلت حرباً إعلامية جديدة مع المرشح وضده لهذا المنصب.
ونفس هذا الصراع نجده على مدار الساعة بمجرد انتهاء مدة بعض المسؤولين الكبار في مناصبهم، وخلوها بانتظار مرشحين آخرين أو التجديد لنفس هؤلاء المسؤولين، ومن المؤسف أن يكون هذا الاستقطاب الحاد لمقولة "كل من يجر النار صوب قرصه" في الفزعة للمسؤولين المرشحين، ومن أجل أهداف صغيرة ومحدودة من قبيل الانتماء الطائفي أو القبلي أو الفئوي أو الانتماء إلى الدائرة الانتخابية أو من أجل بعض التعيينات أو التنقلات الداخلية للموظفين الصغار، أو قد تكون الذبحة على هذه المناصب طمعاً في المناقصات والعقود التي لا يعلم إلا الله حجمها ومبالغها.وفي كل الأحوال فإن التضحية تكون بمستقبل هذه المؤسسات الحيوية ورؤيتها المستقبلية، ومدى نجاح الشخص المرشح لتولي مسؤوليتها بأن يكون قيمة مضافة لها وقادرا على الإبداع والتطوير وتحقيق الإنجازات. والغريب في الأمر أن الحكومة تعلم وبشكل جيد طبيعة اللوبيات والضغوط التي تمارس عليها، ولديها الكثير من المؤشرات على نوايا وأهداف أصحاب هذا النوع من الضغط، ومع ذلك تستغل هذا الوضع لإبرام الصفقات السياسية، وأيضاً على حساب الهيئات والمؤسسات الحكومية التي أصابتها أمراض الترهل والتخلف والشيخوخة والفساد بكل أنواعه.واتهام الحكومة بالتلذذ بمثل هذه الصفقات، إن لم يكن حتى الشراكة فيها، في محله لسبب واحد، وهو بقاء نظام التعيينات في المناصب القيادية كما هو منذ الاستقلال رغم ثورة نظريات التنمية والإدارة، ونجاحها في كثير من الدول المتقدمة والنامية على حد سواء.والسؤال المهم: لماذا تتجاهل الحكومة حزمة التشريعات المقدمة لها من مجلس الأمة منذ أكثر من عشرين سنة، والخاصة بوضع معايير اختيار شاغلي الوظائف القيادية العليا، وتحديد مددها الزمنية، وربطها بتقييم الأداء، واختتامها بمبدأ الثواب والعقاب؟والجواب بكل بساطة أن مثل هذه القوانين من شأنها إبراز وترجيح كفة أصحاب الكفاءات الحقيقية وتقييد صلاحياتهم بموجب القانون وغلق صنبور التنفيع والواسطة من حولهم، وأخيراً الإحساس بالمسؤولية بأنه لا شفيع لهم من العقوبة في حال انصياعهم للابتزاز والفساد.ولهذا فإن من مصلحة الحكومة قبل غيرها استمرار الاقتتال بين النواب والأحزاب والتيارات السياسية من أجل التحكم بقواعد اللعبة والتكتيكات السياسية، وعسى الديرة ذبحت من الوريد إلى الوريد!!