أظنُّ، والله أعلم، أن وصف الدولة بالفشل هو وصف جريء من الناحية المنهجية، لكنه مقبول من الناحية السياسية، فبِغضِّ النظر عن المقياس الذي تحدثنا عنه، يتبقى لنا حق التعبير عن الإحباط الشديد لحالة القلق التي تنتاب مجمل المواطنين العرب، وربما المسلمين، من أداء حكوماتهم.

Ad

ولئِن كان التوصل إلى معايير علمية لتحديد ما هي الدولة الفاشلة مازال في طور التطوير، فإنه بات مؤكداً أن حالة عدم الرضا قد باتت حالة عامة، وقد دلَّ على ذلك العديد من الدراسات واستطلاعات الرأي بهذا الخصوص.

الدولة الفاشلة هي بالضرورة دولة فاسدة ينخرها دود الفساد، ويتولى الفاسدون فيها شكلياً مهمة محاربة الفساد، وهي دولة تسلُّطية لا سيادة فيها للقانون، وليس القانون فيها إلَّا ضرورة شكلية لاستكمال الصورة النمطية للدولة، والدولة الفاشلة لا تُجرى فيها انتخابات، فإن أُجريت، فهي مزوَّرة إما سابقاً أو لاحقاً، كما أنها دولة تمارس التمييز بين فئات المجتمع، وتبذل ما في وسعها لتفكيك المجتمع على قاعدة فرِّق تَسُد. هي دولة مكيافيلية حتى النخاع.

ولعلَّ المعيار الأهم في قدرة الدولة على تخفيف فشلها، من دون التغاضي عن المعايير الأخرى المذكورة في مقالنا السابق، هو مدى استقلال القضاء ونزاهته وصونه من التدخلات السياسية والفئوية والتأثير في قراراته. ولعلَّ نظرة سريعة إلى حالة القضاء في الأمة العربية والإسلامية تجعلنا ندرك حجم الخلل، فلا استقرار لمجتمع من دون قضاء مستقل نزيه، قادر على التصدي لكل أشكال الفساد السياسي والإداري والاجتماعي من دون تحيُّز أو تمييز، ثم تأتي بالتبعية درجة الاهتمام -إن وجِد- باحترام كرامة الإنسان كائناً مَنْ كان، فإن لم تكُن كرامة الإنسان معياراً لنجاح الدولة أو فشلها، فهي لن تكون أفضل من شركة تجارية تهتم بالربح المادي لأصحابها، أو عصابة مافيا، وشتّان بين هذه وتلك.

ربما نعاود الحديث عن الدولة الفاشلة لاحقاً، إذ أجدني مضطراً إلى التوقف بعض الوقت لدواعي السفر والارتباط بعدد من المهمات الخارجية، ولأننا مقبلون على عيد الفطر، وجب توجيه التهنئة إلى جميع القراء والأصدقاء، أعاده الله على الجميع وهم أكثر سعادة ورضا.

***

محاكمات:

للمرة الثانية خلال أقل من شهر، أحضر كمراقب دولي محاكمةَ المُدوِّن عمرو غربية والمحامي ومدير الشبكة العربية لحقوق الإنسان جمال عيد والمحامي أحمد سيف الإسلام حمد، وكذلك اطَّلعت على العديد من القضايا المشابهة في مجمّع الجلاء للمحاكم بشارع رمسيس في مصر، وقد نعود إلى الموضوع لاحقاً، لكن يتضح مرة بعد أخرى، أن القضاء هو العنصر الحاسم لاستقرار المجتمع، شريطة النزاهة والدراية والاستقلالية.

وخلال وجودي في المرتين، ناقشت مع عدد من المحامين الحاضرين حيثيات القضية التي رفعها سمو رئيس مجلس الوزراء على جاري العزيز محمد الوشيحي، ورغم كل ما يُشاع فإن القضية حتى هذه اللحظة، وأقصد أمس الأول، لم تتحرك ولم يُستدعَ أحدٌ بأي شكل من الأشكال، وتكمن إشكالية القضية في أنها بالتبعية أو بالمعية، مرفوعة أيضاً على رئيس تحرير جريدة الدستور إبراهيم عيسى، وحسب تقديرات المحامين فإن عيسى يمثل حالة شعبية تستقطب الإعلام والاهتمام، الأمر الذي سيجعل منها - أي القضية- في حالة بدئها صورةً لن تكون طيّبة للكويت، وستتجاوز مجرد كونها قضية عادية، فهل نحن على استعداد لتحمُّل نتائجها؟