وسط التوتر الذي يعيشه لبنان والمحاولات الإقليمية للجم أيِّ تصعيد في الموقف، وصل رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان إلى بيروت أمس، في زيارة تكتسب طابعاً سياسياً واقتصادياً، وتأتي في وقت يشهد الدور التركي نمواً إقليمياً ويدخل العديد من ملفات المنطقة.

Ad

بدأ رئيس الوزراء التركي رجب طيب أردوغان أمس، زيارته التي كانت مرتقبة منذ فترة لبيروت، حيث أجرى محادثات مع أركان الدولة اللبنانية، وحضر استقبالاً شعبياً برفقة نظيره اللبناني سعد الحريري في محافظة عكار شمال لبنان، علماً أنه من المتوقع أن يتفقد القوات التركية العاملة في جنوب لبنان في إطار قوات حفظ السلام الدولية، قبل أن يغادر البلاد اليوم.  

وكان في استقبال أردوغان في مطار رفيق الحريري الدولي رئيس الحكومة اللبنانية، حيث أقيمت مراسم الاستقبال الرسمية. وتوجه أردوغان إلى قصر بعبدا لمقابلة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، وتركزت المحادثات على العلاقات الثنائية والوضع في المنطقة.

وأمل الرئيس سليمان "تعزيز العلاقات اللبنانية-التركية في شتى المجالات، على المستوى الثنائي وعلى مستوى التعاون مع دول المنطقة"، شاكراً لتركيا "مساهمتها المستمرة في (اليونيفيل) ووقوفها إلى جانب قضية الشرق الأوسط"، مشدداً على "أهمية قيامها بدورها في الملفات الأساسية في المنطقة، إضافة الى موقفها من حصار غزة".

وأشار سليمان إلى أنَّ الهدف من زيارة أردوغان هو "توقيع عدد من الاتفاقات بين البلدين أنجزها الوزراء المتخصصون، بالإضافة إلى موضوع التعاون الاستراتيجي الرباعي بين تركيا وسورية والأردن ولبنان الذي يساهم بشكل كبير في تعميق علاقات التعاون والأخوة بين هذه الدول".

وتناول اللقاء أيضاً الأوضاع في المنطقة، حيث كان هناك تأكيد لوحدة العراق بالإضافة إلى أهمية أن تبقى الساحة اللبنانية مستقرة سياسياً، وأهمية التفاهم بين اللبنانيين من أجل إيجاد حلول للمواضيع ذات الصلة بالمحكمة الدولية.

بعد ذلك، توجه أردوغان إلى عين التينة للقاء رئيس مجلس النواب نبيه بري.

وأكد اردوغان في مؤتمر صحافي مشترك مع بري، الاهتمام التركي بالتطور الداخلي في لبنان، لافتا الى أن "تركيا تركز جهودها للمساهمة في الحفاظ على وحدة لبنان"، مؤكداً أن "تركيا تقف على مسافة واحدة من جميع اللبنانيين".

واعتبر  أردوغان انه "كلما خطى اللبنانيون خطوات في مجال التنمية يكون هناك تدخلات لعرقلة هذا الإنماء، ولا بد ألّا نسمح لمثل هذه التدخلات ونحافظ على وحدتنا ونكون أقوياء، وبهذا ننقل لبنان الى المستقبل بشكل قوي".

من جهته، أكد بري أنَّ "الرئيس أردوغان يحمل همَّ لبنان وهمَّ كل اللبنانيين من كل الفئات والطوائف، لا همَّ طائفة دون أخرى".

وأضاف: "كان اللقاء مناسبة لبحث قضايا المنطقة، وكان هناك تركيز على الوضع اللبناني، فهو يحمل في قلبه الكبير همَّ لبنان ويسعى إلى دعم الحل الذي يكون لمصلحة اللبنانيين جميعاً". وبعد ظهر أمس، زار الرئيسان أردوغان والحريري قريتَي كوشرة وعيدمون في محافظة عكار، حيث توجد عائلات من أصل تركي حصلت على الجنسية اللبنانية، لكن لاتزال تتكلم باللغة التركية وتحافظ على تقاليدها.

وانتشرت في بيروت وبعض مناطق شمال وجنوب لبنان لافتات ترحب برئيس الوزراء التركي.

وأمام مدخل المطار، نظم لبنانيون من الجالية الأرمنية تظاهرة منددة بالزيارة.

وفي الجهة المقابلة، وقف طلاب لبنانيون ورفعوا العلم التركي ولافتات مرحبة بأردوغان.

وتعيش في لبنان جالية أرمنية كبيرة، وتحمل الجنسية اللبنانية.

ويقول الأرمن إن مليونا ونصف مليون أرمني قتلوا في المذابح وعمليات الترحيل القسرية التي تعرضوا لها على يد العثمانيين بين عامَي 1917 و1945.

وتؤكد تركيا أن عدد هؤلاء يتراوح بين 250 و500 الف فقط، وترفض وصف هذه العمليات بـ"الإبادة".

ومن المتوقع أن يزور أردوغان جنوب لبنان أيضا لتفقد القوات التركية المشاركة في قوة الأمم المتحدة الموقتة في لبنان (يونيفيل)، بعد أن يفتتح مركزا لمعالجة الحروق في مدينة صيدا.

التحقيق الدولي

على صعيد آخر، يبدو أن الإيقاع الذي كانت تسير عليه التطورات الداخلية في لبنان لإيجاد توازن يقي البلاد أيَّ تداعيات سلبية لصدور القرار الظني في قضية اغتيال رئيس الوزراء الأسبق رفيق الحريري ورفاقه، تعرض في اليومين الأخيرين لضغط شديد، بفعل التقرير الذي بثته قناة "سي بي سي" الكندية التلفزيونية، نظراً إلى ما تضمنه من معطيات وأسماء دفعت المدعي العام للمحكمة الخاصة بلبنان القاضي دانيال بلمار الى الاعراب عن "قلقه" من الأضرار التي قد يتسبب بها هذا التقرير.

واعتبر رئيس "اللقاء الديمقراطي" النائب وليد جنبلاط أمس أنَّ "المحكمة الدولية تهدف إلى زعزعة استقرار لبنان بدلاً من أن تقيم العدالة فيه".

وقال: "سيكون من المناسب لمجلس الوزراء في هذا الوقت أن يجتمع ويشجب بالإجماع هذه المحكمة، ويرفض قرارها الاتهامي".

وأضاف: "الشائعات والتقارير الإعلامية المتعلقة بعمل المحكمة الدولية وما توصلت إليه، أصبحت بمنزلة مسلسل درامي خطير يهدد استقرار لبنان"، معتبراً أنَّ "هذا التحقيق يستخدم لأغراض سياسية، إذ من الواضح أيضاً أنَّ المحققين يسربون معلومات ويعملون خدمة لدول لها مصالح". وإذ رأى أنَّ "الخطر الحقيقي الذي يواجه لبنان هو صعود الجماعات المتطرفة"، شدد على ضرورة "عدم تلهي الطبقة السياسية بجدال لا ينتهي حول المحكمة وأن تواجه الخطر الحقيقي"