أقصر طريق يمكن أن تتبعه الحكومة لوقف ما يحدث هو التشدد والغلو في الرقابة، وهو سلوك لن يجدي نفعاً، أما الطريق المنطقي فهو في نفض القوانين الراعية للمسألة الإعلامية في الكويت والتشديد في الضوابط المهنية المطلوبة لتشغيل صحيفة أو فضائية أو إذاعة.

Ad

أول العمود: إذا قابلنا الإساءة بالإساءة فمتى تنتهي الإساءة؟... هذا قول للمهاتما غاندي أجرّبه منذ مدة وأنا أقود سيارتي.

***

في هذه المسألة، وأقصد عنوان المقال، بات الحصول على أجوبة حاسمة وواضحة على التساؤلات التالية أكثر من ضروري على خلفية التدهور الإعلامي الذي تشهده الكويت:

ما حال المؤسسات الإعلامية الموجودة؟ هل المطلوب تقييم القوانين المنظمة للمشهد الإعلامي الرسمي والخاص؟ وما المأمول من الحكومة من سلوك تجاه الفوضى التي تعيشها الساحة الإعلامية؟

المسألة الأولى تطول وضع وزارة الإعلام ودورها المتراجع، وكذلك المؤسسات الإعلامية الخاصة (الفضائيات وكثير من الصحف). وفيما يتعلق بالوزارة فإنه ما لم ينظر إلى مشروع تفكيكها إلى هيئات واعتباره مشروع دولة كما طرحه الوزير الأسبق د. أنس الرشيد، فإن المشهد الإعلامي سيشهد مزيداً من التدهور والتخبط، فالوزارة لا تغري أحداً لرئاستها وأصبحت ديواناً للتوظيف.

أما الفضائيات الخاصة والصحف الجديدة، فهي ولدت من رحم قانوني المطبوعات و(المرئي والمسموع)، وهي المسألة الثانية، فالقانون تحول إلى أداة منح رخص تجارية وغيِّبت عنه الشروط المهنية والفنية المطلوبة للقائمين على هذه المؤسسات، لذا كان جزءاً من مسببات الصداع الذي تعيشه الساحة المحلية، وبدا تأثيره في حياة الناس هو توسد من لا علاقة لهم بالإعلام مناصب عليا في مؤسساتهم فقط؛ لأنهم أصحاب مشروع تجاري، وهنا من الضروري ملاحظة نوعية الأشخاص المسؤولين عن القنوات الفضائية والصحف خصوصاً الجديدة، منها خبراتهم السابقة، واهتماماتهم، ومعرفتهم بالشأن الإعلامي وغيرها من الأمور، وبالطبع يسري ذلك على القائمين على وزارة الإعلام ذاتها.

نأتي إلى المسألة الثالثة، وهي على قدر أهمية سابقتها، وتتلخص في كيفية تعامل الحكومة مع نتائج تفعيل قوانين الإعلام التي تعاني رداءة فنية وقانونية، والتي من خلالها ولدت كل هذه المؤسسات المقروءة والمرئية التي تشكل مزاج الرأي العام وتعمل- إلا النادر منها- على تفتيته وليس تغذيته بأصول الاختلاف الإيجابي المستنير.

رد الفعل الحكومي يجب أن يكون طويل النفس، وأن يتجه نحو إعطاء جرعات مهنية تعتمد على شروط واضحة تدعم تقديم مادة إعلامية محترفة، وإن كانت ناقدة وجارحة بدلاً من الإسفاف في بعض ما يعرض ويكتب في وسائل الإعلام اليوم بحجة حرية التعبير.

أقصر طريق يمكن أن تتبعه الحكومة لوقف ما يحدث هو التشدد والغلو في الرقابة، وهو سلوك لن يجدي نفعاً وسينفر الناس من المؤسسات الوطنية التي يحتاجها بلد صغير مهدد في أمنه من الداخل والخارج، أما الطريق المنطقي- ولا أقول الصحيح- فهو في نفض القوانين الراعية للمسألة الإعلامية في الكويت والتشديد في الضوابط المهنية المطلوبة لتشغيل صحيفة أو فضائية أو إذاعة، والتفاعل النشط مع التطورات الإعلامية العالمية، ونقصد هنا وسائط التراسل الإلكترونية القصيرة، والصحف اإلكترونية.

قد لا أكون موفقاً فيما سأقول ختاماً، لكنني أرى أن معظم مشاكلنا تتمحور حول عدم احترامنا للمهنية والتخصص.

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة