يلاحظ المراقبون أن قوى 14 آذار بدلت في غضون الايام القليلة الماضية أسلوب تعاطيها مع الهجوم الذي يقوده حزب الله وحلفاؤه على المحكمة الدولية، وعلى الواقع والتوازنات السياسية التي نشأت على مدى السنوات الخمس الماضية، خصوصا بعد انسحاب الجيش السوري من لبنان.

Ad

ففي حين تميز أداء قوى 14 آذار منذ تولي رئيس تيار المستقبل سعد الحريري رئاسة الحكومة بشيء من الهروب في مواجهة الحملة التي يقودها خصومه على فريقه السياسي، بدا من خلال سلسلة المواقف والتصريحات، ومن خلال بعض القرارات التنظيمية التي أعلن عنها بعد المؤتمر العام لتيار المستقبل، أن هناك شيئا ما قد تبدل، وأن الحريري وفريقه السياسي انتقلوا الى مرحلة استعادة زمام المبادرة ولو في شكل هاددئ يتميز بالمزج بين المرونة في الشكل واستعادة الصلابة المفقودة في المضمون.

ويرى المراقبون أن الحريري واجه خلال الأشهر القليلة الماضية حملة على جبهتين مختلفتين:

- الجبهة السورية التي انطلقت من التفاهم السوري- السعودي على تهدئة الوضع في لبنان في محاولة لممارسة الضغوط على الحريري لفك تحالفاته مع قوى 14 آذار التي لاتزال تقف حائلا دون استعادة سورية النفوذ الذي تطمح إليه في لبنان من جهة، ولإبعاد بعض الرموز الحزبية والسياسية التي تعتبر رأس حربة في المواجهة السياسية والإعلامية والأمنية والعسكرية والقضائية التي شهدها لبنان على مدى السنوات الخمس الماضية من جهة ثانية.

- جبهة حزب الله التي أطلقت على الحريري وفريقه السياسي وحلفائه حملة مركزة عنوانها وجوب التخلي عن المحكمة الدولية الخاصة بلبنان بعد مؤشرات على أن القرار الاتهامي الذي سوف يصدر عنها سيضع بعض كوادر حزب الله ومسؤوليه في دائرة الشبهة بالضلوع في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه.

وفي حين بدا الحريري وحلفاؤه في موقع التراجع المتلاحق منذ زيارته الأولى للعاصمة السورية في إطار المصالحات التي رعاها خادم الحرمين الشريفين الملك السعودي عبدالله بن عبدالعزيز، مرورا بزياراته للأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، وصولا الى عدم الرد على الحملات التي تستهدف المحكمة الدولية والمدافعين عنها، أمكن للمراقبين ملاحظة أكثر من قرار يعكس "هجوما معاكسا" على الجبهتين:

- فعلى جبهة المطالب السورية جاء تركيز الحريري في كل مناسبة على وفائه لحلفائه في قوى 14 آذار، ومن ثم جاء المؤتمر الأول التأسيسي لتيار المستقبل ليثبت حضور من يوصفون بأنهم "صقور التيار" و"رأس حربة" المواجهة مع سورية في المكتب السياسي وفي التعيينات اللاحقة على مستوى منسقي المناطق خصوصا النائب أحمد فتفت، والنائب السابق مصطفى علوش، وكل من الإعلاميين نصير الأسعد وعلي حماده، وغيرهم من الرموز. وقد توج الحريري هذا الجانب من المواجهة بالوقوف بحزم في مواجهة الحملة على رئيس الحكومة السابق فؤاد السنيورة معتبرا السنيورة "خطا أحمر" مع ما يعنيه هذا الوصف من رسالة سياسية باعتبار السنيورة حلقة قويّة في بُنية "الحريرية السياسية".

- أما على جبهة مطالب حزب الله في خصوص المحكمة الدولية الخاصة بلبنان فقد جاء رد الحريري صلبا في المضمون على الرغم من "الهدوء" الظاهر في التعبير عن التمسك بالحقيقة وبالعدالة وبالتالي بالمحكمة الدولية في وقت يمرر حزب الله مطالبه بالواسطة من خلال الدعوة الى وقف تمويل المحكمة، وسحب القضاة اللبنانيين منها، وتأجيل صدور القرار الاتهامي بحجة التوسع في التحقيق في الفرضية الإسرائيلية، وصولا الى المطالبة بإلغاء المحكمة من أساسها.

من هنا ترى جهات مسؤولة في قوى 14 آذار أن فتح ملف التحركات المطلبية على خلفية انقطاع التيار الكهربائي ربما يكون بقرار سياسي من جانب حزب الله وحلفائه لتوجيه إنذار جديد الى الحريري بضرورة الانصياع لمطالب قوى 8 آذار السياسية تحت طائلة استهداف الحكومة شعبيا ومطلبيا وهو ما يمكن أن يشكل ذريعة للتملص من التزامات التهدئة المقطوعة بموجب التفاهم السوري – السعودي على أساس أن التحركات الشعبية الاحتجاجية على القضايا المعيشية غير قابلة للضبط خلافا للاحتجاجات التي تتحرك بموجب قرارات سياسية مركزية.