أعلن النائب حسين الحريتي قبل أيام انتهاء اللجنة التشريعية من قانون الدائرة الانتخابية الواحدة، وأنها أحالته إلى لجنة الداخلية والدفاع، تمهيداً للتصويت عليه في دور الانعقاد المقبل، والأمر ليس بجديد، فقد سبق للنائب أحمد السعدون ومجموعة من النواب أن تقدموا باقتراح بقانون بشأن الدائرة الانتخابية الواحدة، وتلاهم بعد ذلك أربعة نواب تقدموا بمقترحات مماثلة، ويبدو أن فكرة الدائرة الواحدة تحظى باقتناع الكثير من النواب، ومنهم النائب فيصل الدويسان الذي يرى أنها "ستقضي على سلبيات النظام الحالي وصغر الدوائر، والتفكير المناطقي والقبلي، وأن الدائرة الواحدة ستكرس مصلحة الوطن بدلاً من مصالح الشرائح والجماعات الدينية والقبلية" وأنها "الأكثر عدالة... والأكثر تعبيراً عن الإرادة الشعبية"!

Ad

شكرا للنائب الفاضل وبقية زملائه على جهودهم الكبيرة ونواياهم الطيبة، لكنني قلت من قبل ومازلت مصراً على ما قلت، ان مشكلتنا ليست في عدد الدوائر أو طريقة الانتخاب، مشكلتنا في الوعي الانتخابي لدى معظم الناخبين الذين لا يدركون ما لاختياراتهم الانتخابية من تأثير قوي في مستقبل وطنهم ومستقبل أبنائهم وأحفادهم بعد ذلك، وأن ما يشهدونه من مشاحنات وجدالات عقيمة لا فائدة منها في قاعة "عبدالله السالم" هي مجرد انعكاس لما تخطه أقلامهم يوم الانتخابات، فمن هناك يبدأ الفشل والتردي والسقوط، وباختيار الناخب وبرغبته... لا مجبراً ولا مضطراً!

ومع احترامي لكل مَن يطالب بتغيير نظام الدوائر من خمس إلى عشر واليوم إلى واحدة، فإن الحال لن ينصلح لا بهذه ولا بتلك، فالنتيجة واحدة في النهاية، والانتخابات الأخيرة- جزاها الله خيراً- علمتنا أن الناخب الكويتي لا تُعيِّيه الحيل والوسائل ليحتال على الطرق الانتخابية، وأن القبلية والمذهبية والفئوية تجد دائماً منفذاً لها تنفذ منه مادام نمط التفكير المصلحي هو السائد والمسيطر على عقل الناخب وشعوره، ولذلك، مهما صغر أو كبر حجم الدائرة الانتخابية، فسنرى مَن على استعداد ليبيع ذمته، ومَن لديه الرغبة ليشتريها، هي وذمم أخرى كثيرة، حتى وإن كلفه الأمر ملايين الدنانير، لأن الأرباح المجنية من الكرسي البرلماني تفوق هذه الملايين المصروفة، كيف؟... علم ذلك عند علام الغيوب!

ما نحتاج اليه يا سادة، قبل البحث عن عدد الدوائر الأنسب للعملية الانتخابية، هو القيام بثورة في التفكير والمفاهيم والأولويات، نصنعها من خلال حملات توعوية وتنويرية مكثفة تستمر لسنوات ولا تتوقف أبداً، كي نجني ثمارها في الانتخابات القادمة أو التي تليها، وبأن نغير ما بأنفسنا وأنفس الأجيال القادمة قبل كل شيء، فنبني جيلاً جديداً يضع مصلحة الوطن وكفاءة المرشح وقدرته على الإنجاز أساساً لاختياراته، وعلى الحكومة، أن تقوم بالجزء الأعظم من الحملات التوعوية عبر إعلامها الرسمي كما قامت بحملة لترشيد الكهرباء قبل سنوات، وأن تشاركها التيارات السياسية الفاعلة عبر إقامة ندوات متواصلة ومستمرة لتعريف الناخب أهمية التجرد من اندفاعه العاطفي لنصرة مذهبه أو قبيلته أو فئته يوم الانتخابات.

والأهم.. هو أن نبحث عن إجابة حقيقية لهذا الأسئلة: لماذا يحتمي المواطن بقبيلته؟ ولماذا يلتحف بطائفته؟ ولماذا يلتصق بفئته؟ هل لسياسات التعيينات والترقيات الحكومية والمحاباة في الابتعاث للعلاج أو الدراسة في الخارج، والوساطات (البرلمانية) في إنهاء المعاملات دور رئيسي في ذلك التقوقع الفئوي والقبلي والطائفي؟!

تقديم مقترح بقانون لتعديل الدوائر، لن يأتينا منه سوى الجدالات العقيمة ووجع الرأس، وإشغال الرأي العام بقضية لن تؤخر ولن تقدم في مخرجات العملية الانتخابية، والأفضل هو تركيز الجهود على إصلاح الأوضاع ودراسة الظروف التي أدت إلى حالة التشرذم التي يعيشها مجتمعنا اليوم، سأستدل بهذا البيت الشعري، وأن نداوها بالتي كانت هي الداء، وداؤنا في تفكيرنا وفي تعصبنا وتقديم مصالحنا الشخصية على المصلحة الوطنية، لا في عدد الدوائر وتوزيعها... صدقوني!