ما بعد هزيمة اوباما !!
لا شيء يلوح في الأفق بالنسبة لعملية السلام واستئناف المفاوضات المباشرة المتوقفة، فالوضع كان في حالة استعصاء شديدة، وقد غدا أكثر استعصاءً مما كان عليه، بعد أن حقق الحزب الجمهوري هذا الانتصار الكاسح الذي حققه، وهذا أعطى بنيامين نتنياهو دعماً ليزيد تصلُّبهُ تصلباً وليبقى يمد لسانه في وجه العالم كله ويواصل الاستيطان وغير الاستيطان، ويتمسك أكثر وأكثر بحكاية "الدولة اليهودية".كان فرح العرب والفلسطينيين بمجيء عنترة بن شداد، ابن العمومة باراك أوباما، غامراً، ولقد حلمنا كما هو معروف بعد خطابه الشهير في جامعة القاهرة بأن انتظارنا على رصيف العالم قد اقتربت نهايته وأنه أخيراً حانت اللحظة المنتظرة كي يتخلص البيت الأبيض من القبضة الإسرائيلية ويغلب مصالح الولايات المتحدة في الشرق الأوسط على مصلحة إسرائيل التي تمادت في السطو على أموال دافع الضرائب الأميركي.
ولكن هذا الحلم، للأسف، ما لبث أن تبدد بسرعة، فالأسمر الأبانوسي الذي راهنَّا عليه اضطر مرغماً، تحت ضغط حسابات الانتخابات النصفية التي تعتبر مؤشراً بالغ الدلالة على حصاد الانتخابات الرئاسية المقبلة، إلى التراجع ليس خطوة واحدة وإنما خمس خطوات، فأصبح كلامه حول عملية السلام مجرد تأتآت غير مفهومة، وبات مبعوثه جورج ميتشل عبارة عن ناقل بريد بين محمود عباس (أبومازن) وبنيامين نتنياهو، يذهب ويأتي بلا أي جديد وبلا أي نتيجة.والآن، وقد صدقت مخاوف الأسمر الأبانوسي وصدقت مخاوفنا وتحققت تنبؤات الإسرائيليين، فإنه لم يعد أمام باراك أوباما وإدارته الديمقراطية التي أصبحت، بعد أن حقق الجمهوريون كل هذا الفوز، بطة عرجاء عن حقَّ وحقيقة، إلا خياران: فإمَّا أن يمضي قدماً بالنسبة لما كان بدأه بالنسبة لعملية السلام ويحقق إنجازاً تاريخياً لم يحققه كل الذين سبقوه إلى البيت الأبيض، وإما أن ينكفئ وينكمش على نفسه، ويبدأ في المزايدة على الجمهوريين بمزيد من التملق للإسرائيليين فيتحول الشرق الأوسط إلى "تورا بورا" جديدة ستحرق أول ما تحرق الأقدام الأميركية التي هي الآن عارية في هذه المنطقة التي تمتد من هنا وحتى جبال هندكوش في أفغانستان.وهنا، فإن ما يجب أن يفهمه العرب الذين ينطبق على بعضهم ذلك القول "لقد أسمعت لو ناديتَ حيّاً" أنهم إن لم يواجهوا هذا المستجد بإعادة النظر في كل مواقفهم وسياساتهم، وإنهم إن لم يبدأوا تنظيم صفوفهم على الفور ليخاطبوا ورثة جورج بوش ورامسفيلد باللغة التي يفهمونها، فإنهم سيجدون الحالة العراقية المرعبة تداهمهم في غرف نومهم، حتى وإن كانت مسلحة بحديد وأسمنت الكرة الأرضية.