برلمانيات 2010
«جميع دول العالم بحكومة ومجلسين, إلا نحن بمجلس وحكومتين». القول لنائب لبناني في وصفه للأوضاع بلبنان في مقابلة تلفزيونية.ما الذي يؤرقنا كمتابعين للشأن السياسي اليوم؟ هل هو تقاعس النواب عن العمل التشريعي الصحيح وعزوفهم عن إدارة النظام الانتخابي وقراءة الدستور بتأن وتفعيل المواد بالشكل الصحيح؟ أم مستقبل أبنائنا في ظل إصرار الإدارة الحكومية على جاذبيتها الوظيفية، وبالتالي توظيف الخريجين وتجاهل إنتاجيتهم في ظل الترهل الإداري الذي تعانيه وافتقار القطاع الخاص للنموذج الوظيفي ذي الطاقة الاستيعابية؟
قد لا تكون الظروف اليوم مهيأة لاستراتيجية جديدة للتغيير، وبالتالي تحفيز النواب على تجديد العمل التشريعي، والسلوك السياسي والانتخابي الخاضع للتغيير، أمام السلوك الانتخابي الذي أسفر عن التضامن العائلي في ظل قواعد العمل السياسي، والإقبال المتزايد على «الفرعيات» التي شملت جميع المناطق الداخلية منها والخارجية، وامتدت لتصل إلى انتخابات الجمعيات التعاونية أمام أعين مسؤولي الشؤون، حتى أصبح الناخب في حيرة من أمره أمام مفاهيم التجريم الانتخابي، فهل تشمل التضامن العائلي والقبلي في دولة ذات كيان اجتماعي قوي؟ أم الالتزام الحزبي في دولة لا حزبية؟ الأمر الذي تسبب في قلب مثلث العمل البرلماني، ذلك المثلث ذو الأضلاع الثلاثة: المشاركة السياسية وتقييم العملية السياسية باستطلاع آراء الناخبين عبر المؤسسات الإحصائية، أما الضلع الثالث فيشمل ترجمة الأصوات إلى نتائج، الأمر الذي يجرنا للتعليق على المقالات التي تناولت تعديلا مرتقبا قد يشمل الدوائر الانتخابية. فعلينا أن نلتفت إلى حقيقة وهي أن إصلاح النظم الانتخابية، لا ينبغي أن يتناول عدد الدوائر فقط، إنما ينبغي الحرص على أن يكون للمجالس المنتخبة وسيله لتفادي «نزاع» قد يقع داخل المجتمع وليس إشعاله، ومن ثم تقديم نموذج «شعبي» لآلية اتخاذ قرار مبني على المعرفة بأصول العمل السياسي، لذلك أتوقع أن ترتفع في الأيام القادمة الأصوات المطالبة بدمج الدوائر الخمس وتحويلها إلى دائرة واحدة، وتعود قضية إصلاح النظام الانتخابي لتقع في صلب دوائر النقاش، وينطلق سباق حكومي برلماني حول طرح فكرة «التغيير».فهل ما تتعرض له الساحة السياسية من خلل ناتج عن عيوب نظام الدوائر الخمس؟ أم هو سلوك برلماني بحت يمكن احتواؤه من خلال تفعيل مواد الدستور؟ ولو بحثنا في نماذج من البلدان العربية لوجدنا أن بعضها يُخضع الدوائر الانتخابية لديه لتقسيمات إدارية، كاتباع حدود المحافظات المناطقية أو الإقليمية ذات التقسيم الإداري، فيصبح عدد الدوائر مساويا لعدد المحافظات، وهو الأكثر ملاءمة للعديد من دول الخليج، وذلك لإتاحة الفرصة للنائب وعضو المجلس البلدي والمحافظ للعمل معا في إدارة شؤون الدائرة الانتخابية، فيتم من خلال الدائرة المزج بين التمثيل الشعبي والإداري معا.وأخيرا وليس آخرا يبقى غياب القيادة في العمل السياسي والبرلماني أمراً أساسياً ويظل عزوف نواب العقل والاعتدال عن الحياة السياسية عائقا بعد أن أصبح المجلس جاذبا لعناصر الضجيج والتأزيم من جهة، ونواب المصالح الشخصية من جهة أخرى.كلمة «إعلامية» أخيرة: موضة الاتهامات المتبادلة بين النواب تندرج في الفئات البرلمانية الثلاث: فئة «مع» تقييد الحريات والمحظوظة بشعبيتها أمام جميع من تعرض للإساءة من قبل قنوات الإعلام الخاص، وفئة «ضد» الفئة الأولى والمتهمة بموالاتها لكل ما هو حكومي, وفئة «الامتناع» والتي تشعر بالحرص على ألا تكون حرية الكلمة هي الضحية في العبث بقوانين المرئي والمسموع، وبالتالي تبحث عن مسار ما بين الموالاة والمعارضة... ولا عزاء لتصحيح المسار الإعلامي.