خلال ستة أسابيع فقط قامت وزارة الداخلية بالممارسات التالية: ضرب مواطنين ونواب وانتهاك حرمة منزل خاص في ندوة الصليبيخات، ضرب أستاذ جامعي وسحله أمام كاميرات الإعلام، تخبط القيادات الأمنية ببروباغاندا إعلامية ملؤها الكذب والتضليل، وخطابهم العنجهي والمكابر الموجه إلى الناس والنواب، استبدال عقوبة الحبس لشخصين مدانين بسب النائب العام والاعتداء على أحد قياديي الداخلية، خطف مواطن وحبسه من دون تهمة وتعذيبه حتى الموت ومحاولة تزوير وقائعها، تشويه سمعة القتيل بتلفيق التهم له والمجاهرة فيها، وأخيراً الكذب على وزير الداخلية وتضليل الناس للتستر على الجريمة.
أتمنى أن يعي قياديو الداخلية، خصوصاً المخلصين منهم، فداحة هذه الأحداث وزعزعتها ثقة الناس بالجهاز الأمني، وليس القصد هنا تنزيه الداخلية عن الممارسات غير القانونية واللا إنسانية قبل 8 ديسمبر 2010، ولكن تراكمها هذه المرة في فترة قصيرة أمام مرأى وسائل الإعلام هو ما يجعلها استثنائية. لم يعد الأمر مجرد محاولة لنقد أداء جهة حكومية، بل أكتب قلقاً على جهاز حيوي لا غنى عنه باتت قياداته وإجراءاته عرضة للطعن والتشكيك، وعليه فإن مسؤولية القياديين المخلصين القيام بتصحيح شامل للأوضاع يتعدى حدود قضية الميموني، ويكون بحجم الأحداث وأساسه الشفافية وإشراك الناس.لتفتح الملفات على الملأ، ولتبادر الداخلية قبل أي جهة أخرى بفتح الباب لتلقي شكاوى التعذيب والإساءات والتحقيق بها بجدية وشفافية ورد اعتبار من يستحق، ولتشكل لجنة مشتركة مع جامعة الكويت ومؤسسات المجتمع المدني الحقوقية والإنسانية تقوم بدراسة شاملة لإجراءات الضبط والتفتيش والقبض ومدى توافقها مع القانون أخذاً بالاعتبار الأحكام القضائية العديدة ببراءة متهمين لبطلان تلك الإجراءات، وتقس وعي القيادات الأمنية وأفراد الشرطة بالدستور والقوانين وحقوق الإنسان، وتراجع الخطاب الأمني الإعلامي القائم حالياً على العنجهية والتضليل وتزييف الحقائق أو الكلام الإنشائي في أحسن الأحوال، وتضع توصياتها لمعالجة تلك القضايا، ثم تترجم الداخلية تلك التوصيات إلى سياسات عملية تضعها ضمن تصور شامل تقدمه للناس كـ»وثيقة إعادة الثقة» بالجهاز الأمني، وبالطبع، لن تعود الثقة دون محاسبة كل من تثبتت مسؤوليته عن أي من الانتهاكات، سواء بالعقاب أو الإقصاء.الثابت من الأحداث الأخيرة أن وزارة الداخلية آخذة في التحول إلى دولة داخل دولة، فأصبح انتهاك الدستور فيها وكسر القوانين وامتهان كرامات الناس وإزهاق أرواحهم مبررات إما بالأوامر العليا وإما العداوات الشخصية، ما يكشف خللاً فادحاً في فهم رجل الأمن لواجبه ولمن ولاؤه. إن الولاء أولاً وآخراً هو للدولة والدستور والقانون، وليس للضابط الأعلى رتبة، ولا للوزير أو غيره مهما علا شأنه، والواجب هو حماية جميع السلطات الدستورية بلا انحياز: رأسها ممثلاً بسمو الأمير، وأفرعها ممثلة بالتشريعية والتنفيذية والقضائية، ومصدرها ممثلاً بالأمة.إن جهاز الأمن يستمد شرعيته بالدرجة الأولى من ثقة الناس به، ويفترض به أن يكون ملاذاً آمناً لهم، ولكن كيف سيوفر للناس الشعور بالأمان بعد الأحداث الأخيرة؟ ففاقد الشيء لا يعطيه.
مقالات
فاقد الامان لا يعطيه
27-01-2011