لا أعرف فائدة لضرس العقل فهو كما يبدو زائد عن الحاجة يصار إلى خلعه عادة بعد بلوغ سن معينة. ويطلق العرب عليه ضرس العقل بينما بالإنكليزي هو wisdom Tooth أي ضرس الحكمة، ويبدو أن العقل عند العرب يعني الحكمة، ومن غير الواضح إن كان ذلك الضرس يرتبط وجوده بالعقل العربي أو الحكمة وهي مسألة فيها نظر.

Ad

في الأسبوع الماضي اضطررت بناء على تعليمات طبيب الأسنان أن أخلع ضرس العقل للمرة الأولى، وقد داعبني بقوله لي إنه لا يظن أني سأفقد حكمتي، وبالتالي عقلي العربي الذي لا تبدو جدواه ظاهرة للعيان.

المعاناة مع عملية الخلع وما تلاها كانت مزعجة ومتعبة للغاية، ولكنها يبدو أنها مسألة مقررة، لا مفر منها.

موضة إحالة الكتاب والإعلاميين تحت مسوغات أمن الدولة تدخل بوضوح في إطار حالة فقدان العقل والحكمة. وترسيخ مبدأ كبت الحريات ظناً أنه يخدم الأمن الوطني هو فكرة متهافتة وتفتقر إلى الرشد. ولعل أسوأ ما في الأمر الانتقائية في التعامل مع قضايا مبدئية تبعاً للقائل أو للفاعل.

أظن أننا بحاجة إلى التنبيه إلى خطورة المسار الحكومي في هذا الاتجاه الوعر، الذي إن هي استمرأته فإننا سائرون في طريق هاوية التسلط والمركزية واحتكار الرأي، ولا يبدو أن المسلسل في وارد التوقف وكان آخره التهديد بمنع ندوات الدواوين وإحالة قناة سكوب بتهمة أمن دولة، كالتحريض على قلب نظام الحكم.

حالة المتناقضات الحادة في المجتمع تجعل من مسطرة المبدأ مثلومة، فمن يدافع عن حرية التجمع يؤيد منع الكتب، ومن ينتصر لحرية فلان لأنه يقول ما يعجبه لا يمانع حظر حرية فلان آخر لأنه يقول ما لا يعجبه.

علينا الاعتراف بأن إحالة قناة سكوب بتهم أمن دولة تأتي على طريقة «حدِّث العاقل بما لا يليق فإن صدق فلا عقل له»، ولربما أننا فعلاً نعيش في حفلة زار مستمرة يجوز فيها القول «وين عاقلكم» فجاء الرد «ذاك المربوط»، وبالنسبة إلي يبدو أن خلع ضرس العقل قد كان في توقيته الصحيح لعلي أتمكن من التوافق والانسجام مع حالة فقدان العقل المسيطرة على المجتمع، ولا حول ولا قوة إلا بالله.

* من المقرر أن ينشر موقع ويكليكس اليوم أربعمئة ألف وثيقة سرية للجيش الأميركي عن العراق، ويدور حولها صراع طاحن وهو ما سننتظر كيفية تداعياته وأبعاده على مستوى التاريخ، فالمسألة تجاوزت بكثير كتاباً هنا وكلمة هناك. يحدث هذا رغماً عن رغبة البنتاغون الذي خصص فريق عمل من 120 عقلاً لمتابعة النشر. الموضوع شيق ويستحق المتابعة أكثر من حالة الاستهبال الدائرة عندنا.