الشيء المحزن أن مغموراً لا يستحق الذكر أظهر مدى هشاشة قدرات النظام الأميركي على حماية معتقدات الآخرين من الإهانة في مقابل روعته في كفالة الحريات الدينية لسكانه لدرجة أن الجالية الإسلامية في أميركا تعيش حالة «بطر» في اختيار مكان بناء مسجد نيويورك بالقرب من مكان تحطم برجي التجارة العالمي أو أي مكان آخر. تخيلت نفسي أحمل الكتاب المقدس وأتجه صوب ساحة الإرادة ومعي ولاعة و»شوية قاز» وفي الطريق كتبت في صفحتيّ على «الفيس بوك» و»التويتر» سطرين مفادهما أن العبد لله قرر حرق الإنجيل انتقاماً لجريمة حرق القرآن- التي لم تتم ولله الحمد- والموعد بعد ساعة من لحظة بث الخبر.
الوضع كما هو متوقع، شلل في الشوارع المؤدية إلى ساحة الإرادة، وإعلان حالة الطوارئ في وزارة الداخلية، وغرفة العمليات ستجتمع بحضور الوزير لمشاهدة الحدث المنتظر على الهواء مباشرة بفضل كاميرا المراقبة المنصوبة في سماء ساحة الإرادة.في موقع الحدث وزمانه الموعود الحضور الإعلامي يفوق الخيال فقد حضر فريق كامل من قناة «فوكس»، وأقامت قناة «الجزيرة» استوديو تحليل الأخبار استضافت فيه على الهواء من لندن عبدالباري عطوان ومن الكويت طبعاً «ما غيره» أستاذنا الكبير الدكتور عايد المناع.الجمهور الغفير وجلّه من أعضاء نادي «الطماشة» وفيلق من مشجعي نادي بن لادن وخلفي عباس الشعبي ينتظرون بصمت كاتدرائي مشهد حرق الإنجيل، ولكن هذه اللحظة لم تأتِ ولن تأتي لأن خيالي يتوقف عند هذا الحد المتاخم لحقيقة احترامي لمعتقدات الآخرين مهما كانت.كشفت التجربة المثيرة مع القس الاستعراضي الذي لوَّح بحرق نسخ من القرآن الكريم عن وقائع جديدة في صراع الأديان المزمن، أبرزها أن العالم المسيحي وقف منذ زمن طويل في موقع المدافع عن نفسه تجاه التأكيد على أنه الأكثر تسامحاً، رغم أن مشروع الفعل الشائن أتى من قسّ مغمور لا يتبعه سوى نفر قليل، ولكن كل رموز الفاتيكان والحكومة الأميركية ومجلس الكنائس العالمي وغيرهم تصدوا لحقيقة أن معتوهاً واحداً يكفي لإشعال حرب دينية، ووجدناهم يرددون نفس ما نقوله عن كون بن لادن لا يمثلنا نحن العرب والمسلمين.الشيء الثاني أن أميركا العلمانية وجدت نفسها كدولة غير أوروبية في مواجهة مربكة مع العالم الإسلامي بسبب القس المغمور أكثر من تدخلها العسكري في أفغانستان والعراق المحسوب لمصالحها ونفوذها، هذا الارتباك تجسد في غلبة خطاب الخوف على مصير قواتها المقاتلة في أفغانستان أكثر من خطاب الاستنكار المجرد لمخطط حرق القرآن، والشيء المحزن أن مغموراً لا يستحق الذكر أظهر مدى هشاشة قدرات النظام الأميركي على حماية معتقدات الآخرين من الإهانة في مقابل روعته في كفالة الحريات الدينية لسكانه لدرجة أن الجالية الإسلامية في أميركا تعيش حالة «بطر» في اختيار مكان بناء مسجد نيويورك بالقرب من مكان تحطم برجي التجارة العالمي أو أي مكان آخر.هذا العجز الأميركي الداخلي يجعلنا نتساءل بعد أن حاولت الإدارة السابقة دس أنفها في المناهج الدراسية للكثير من دول المشرق الإسلامي، كيف يحق لواشنطن الاعتراض بعد اليوم ماذا نعلم أطفالنا في المدارس وهي تقف متفرجة أمام تهريج من يلعبون بمقدسات الآخرين؟ كيف ستحمي علمانيتها من الانهيار إذا ترك «المخابيل» يتبادلون حرق الكتب ودور العبادة؟وعودة على تخيلاتي بداية المقال أؤكد أن شهرتي وأنا أحرق الإنجيل ستغطي على شهرة القس الذي أراد حرق القرآن حتى لو كان الفعل في نفس اللحظة، لأن الإعلام الغربي سيجد خبري مثيراً ومنسجماً مع صورة العربي والمسلم الذي يحرق الأعلام ويقذف الساسة بالأحذية.الفقرة الأخيرة: ردي على نية الحكومة التصدي لمثيري الفتن هو أغنية المطربة نوال «اصدق في وعدك يوم».
مقالات
الاغلبية الصامتة : لنحرق إنجيلهم
16-09-2010