بات خيار العناد لدى الحكومات والأنظمة السياسية بمنزلة انتحار جماعي، نتيجته الانهيار الكامل لمنظومة الحكم ورموزه ومؤسساته التنظيمية والمالية في طريقة تصديها للاحتجاجات والمظاهرات والمطالبات الشعبية، وفي طليعة هذا النمط من العناد استخدام القوة المفرطة وإراقة الدماء وضرب الناس في الميادين العامة.

Ad

عدوى الثورة المصرية ومن قبلها الثورة التونسية سرعان ما شملت العالم العربي من المحيط إلى الخليج تبعاً للسيناريو الذي كان متوقعاً منذ اليوم الأول للانتفاضة في تونس، وقد أثبتت التجربتان أن الحراك الشعبي المتدفق بقوة وحماس وجرأة غير مسبوقة عند العرب، خصوصاً في أوساط الشباب يسير في اتجاه واحد تصاعدي وغير قابل للعودة إلى الوراء مهما كانت طرق مواجهته أو محاولات تشويهه أو قمعه.

وبات خيار العناد لدى الحكومات والأنظمة السياسية بمنزلة انتحار جماعي، نتيجته الانهيار الكامل لمنظومة الحكم ورموزه ومؤسساته التنظيمية والمالية في طريقة تصديها للاحتجاجات والمظاهرات والمطالبات الشعبية، وفي طليعة هذا النمط من العناد استخدام القوة المفرطة وإراقة الدماء وضرب الناس في الميادين العامة، الأمر الذي قد يعلن الطلاق البائن بين الشعوب وحكامها.

وكالعادة، فإن الحكومات العربية آخر من يعتبر وتراهن على الوقت والترهيب وتراجع المد الشعبي المعارض، وهذا هو الخطأ القاتل الذي وقع فيه النظام المصري عندما استهان بالتجربة التونسية باعتبار الفارق الكبير بين البلدين في المساحة والكثافة السكانية والثقل الاستراتيجي، فكانت النتيجة أن زين العابدين بن علي صمد لمدة شهر بينما لم يصمد حسني مبارك سوى ثمانية عشر يوماً.

وانطلق القطار الشعبي سريعاً ليصل إلى محطات الجزائر وليبيا وسورية والأردن واليمن وسط ذات الأسطوانة الحكومية المشروخة بالدعوة إلى الحوار ودراسة المطالب من جهة، والضرب والقتل في الشارع من جهة أخرى.

والخليج بدوره لم يكن بمنأى عن إعصار التغيير، وكانت الاستجابة الخليجية في مجملها على طريقتها الخاصة، ففي سلطنة عمان أُعلنت زيادة الرواتب فوراً بعد أول تظاهرة رغم محدوديتها، ودولة الإمارات أعلنت نيتها إجراء انتخابات مباشرة لاختيار نصف مقاعد البرلمان، أما بقية الدول فقد فتحت خزائنها ونزل عليها فجأة الكرم الحاتمي في الهبات وزيادة الرواتب لعل وعسى «يصير خير»!

أما البحرين فلها قصة مختلفة ومخزنة ومقلقة في ذات الوقت، فقد ارتفع سقف المطالب وآلياتها الميدانية التي ووجهت بالعنف الشديد، وأُريقت الدماء، وحوصرت المسيرات والمظاهرات إعلامياً، وبدأت حملات التشويه والتخوين مبكراً تماماً مثلما حدث مع التجربة المصرية، وانبرت أقلام محلية للمشاركة في ضربها، خصوصا من خلال إضفاء البعد الطائفي عليها.

والبحرين بلد شقيق وعزيز على قلوبنا جميعاً، ويكن أهلها محبة كبيرة للكويت وشعبها، ولذا يؤلمنا ما قد يصيبها من أذى أو عدم استقرار أو أي نوع من الخطر، ويجب أن تعالج مشاكلها في إطارها الوطني، ومن الداخل، وبقدر كبير من الحكمة والمسؤولية، فالتجربة البحرينية في الديمقراطية عريقة رغم صغر هذه المملكة الجميلة، وحراكها اليوم امتداد لاستحقاقات سياسية وتراكمات زمنية يخطئ من يحاول تسطيحها بفئة الشيعة بغرض تأليب الإخوة السنّة عليهم، فهناك تيارات وطنية سنّية بحرينية تسير إلى جانب الشيعة في المطالبة بإصلاحات سياسية ودستورية ومحاربة الفساد والمزيد من الحريات تماماً كما يحدث للكثير من الشعوب العربية من المحيط إلى الخليج، وعلى دول الخليج أيضاً الانتباه للتجربة البحرينية وبعناية لأن الشعوب لم تعد ترتضي بحزمة من المزايا المالية إذا لم يواكب ذلك مزيد من الديمقراطية والمشاركة في صنع القرار وضمان العيش الكريم!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة