يلاحظ أن لهجة تركيا «الأردوغانية» تجاه جارتها سورية قد بدأت تتغير, منذ أن بدأ هذا الـ«تسونامي» الثوري يضرب المنطقة، ويزحف على دولها دولة إثر دولة, فقد أجرى رئيس الوزراء التركي في إطار هذا التغير المتصاعد مكالمتين مهمتين مع الرئيس السوري بشار الأسد بعد انفجار أحداث درعا التي انتقلت انتقال النار في الهشيم في البلاد كلها، وشملت مدناً رئيسية مثل بانياس واللاذقية وحمص والقامشلي ودير الزور، إضافة إلى معظم أرياف العاصمة دمشق.

Ad

وتوضيحاً لما جرى في هذين الاتصالين، فقد أشارت الصحف التركية إلى أن رجب طيب أردوغان قد مارس ضغطاً فعلياً على الرئيس بشار الأسد، وحثه على العمل، وبسرعة، لتهدئة الاضطرابات التي بدأت تضرب سورية، ونصحه بضرورة الإسراع بإجراء الإصلاحات التي يطالب بها الشعب السوري.

وهذا ما أكده وزير الخارجية التركي أحمد أوغلو الذي كان أصدر بياناً دعا فيه إلى إصلاحات سياسية واقتصادية وإلى ضبط النفس في التعامل مع هذه «الثورة الاجتماعية».

هل يعود السبب وراء هذا الموقف, الذي من المؤكد أنه فاجأ الرئيس السوري وفاجأ القيادة السورية, إلى الاصطفاف الطائفي وانحياز الدولة التركية, التي لا يزال يعتبرها البعض حامية حمى السنة المسلمين في هذه المنطقة على الأقل, إلى غالبية الشعب السوري على اعتبار أن الحكم, وهذا في حقيقة الأمر غير صحيح, للطائفة «العلوية» المتنفذة؟

أبداً. على الإطلاق. ولو أن هذا هو دافع تركيا السنية «الحنفية» إلى التعامل مع انتقال «تسونامي» الثورات إلى سورية لما كانت قد حرصت, منذ أن بدأت المرحلة الأردوغانية, إلى الاقتراب من إيران الشيعية ذات المذهب الجعفري الإثني عشري، التي تعرض «سنتها»؛ الأكراد والعرب والبلوش، في عهد ثورتها الخمينية إلى تهميش وإقصاء لم يعرفوهما حتى خلال نظام الشاه السابق الذي غلبت عليه النزعة القومية الفارسية الاستبدادية...!

ولذا فإن هذا التحول السريع الذي لجأت إليه تركيا الأردوغانية تجاه نظام الرئيس بشار الأسد, بعد ما تفجرت الأحداث الدموية الأخيرة, يعود حسب رأي البعض إلى الخوف في حال تفاقم الأمور في سورية من نزوح السوريين, وبخاصة الأكراد منهم, إلى المدن والمناطق التركية الحدودية المجاورة التي هي في معظمها -في المناطق الجنوبية الشرقية من البلاد- مناطق كردية مع لون عربي خافت في منطقة «ماردين» المطلة على سهل حرَّان التاريخي الفسيح.

إن هذا هو أحد الاحتمالات، وهو احتمال وارد ومعقول، لكن الأهم منه هو أن مجيء «الأردوغانيين» إلى الحكم قبل أعوام عدة كان بداية صيغة الإسلام السياسي المعتدل الذي تريده الولايات المتحدة ويريده الغرب الأوروبي لهذه المنطقة الشرق أوسطية. ولهذا فإن المرجح أن دافع تحرك رئيس الوزراء التركي هذا المشار إليه بعد انفجار الأحداث الدموية في سورية هو الخوف من سيطرة الحركات الإسلامية الأصولية، ومن بينها «الإخوان المسلمين» على هذا البلد الاستراتيجي المهم والمجاور، وكذلك الخوف من انتقال هذه العدوى الأصولية إلى تركيا التي لا يزال يحلم قطاع كبير من شعبها باستعادة مكانتها السابقة، وعودة الخلافة العثمانية إليها.

ولعل ما يعزز هذا الاعتقاد أنه بمجرد بدء تركيا الأردوغانية بالضغط على القيادة السورية للاستجابة لمطالب شعبها والمباشرة بالإصلاحات المطلوبة، بادر الإخوان المسلمون وبادرت شقيقتهم «حماس» أيضاً بمهاجمة رجب طيب أردوغان ونظامه.

ومن المؤكد أن المسألة هنا لا تنحصر في مجرد الدفاع عن النظام السوري الذي يعتبره هؤلاء نظام «ممانعة» و»مقاومة»، وأنه الوحيد الذي يحتضن المقاومة الفلسطينية واللبنانية من بين كل الأنظمة العربية، بل يتعداها الى الخوف من أن هذه الظاهرة الإصلاحية المكتسحة قد تأخذ في طريقها كل حركات الإسلام السياسي الأصولي.