خيار وفقوس... و«بوكسات» المتطرفين
الأنظمة العربية لها قدرات مشهودة في المراوغة من استحقاقات الإصلاح وتطوير الديمقراطية إن وجدت لدى بعضها أصلاً، ومن أهم أدوات المراوغة وأنجعها لديها هي الدعوة إلى الحوار الوطني عندما توضع في الزاوية بسبب ضغوط داخلية أو خارجية، وغالباً ما يتم «مط» فترة الحوار حتى يأتي الوقت المناسب لتنقلب السلطة على الحوار، وتعود الأوضاع إلى ما كانت عليه، ويتم غالباً البطش بالطرف الآخر الذي يتحاور مع السلطة، وهذا ما حدث في مصر خلال السنوات الخمس الأولى من الألفية الجديدة عندما تحاور نظام حسني مبارك السابق مع المعارضة ثم عدّل الدستور لتكون انتخابات الرئاسة على مقاس «الريس» وينجح فيها في عام 2005 باكتساح غير طبيعي، وما فعله أيضاً أصحاب السلطة الفعلية في لبنان ممن يمتلكون السلاح، إذ انتهى الحوار الوطني معهم بانقلابهم على الأغلبية البرلمانية عبر الترهيب بالقوة على الأرض، وتجارب حوار مماثلة في اليمن وعدة دول عربية أخرى.
الدعوة إلى حوار وطني من أي نظام عربي يمتلك السلطة بشكل مطلق دون وجود مؤسسات وطنية مستقلة ومجتمع مدني وصحافة حرة هو عبث لا طائل من ورائه، يمنح السلطة المستبدة وقتاً مستقطعاً للراحة بغرض جمع جهودها لتصفية المطالب الشعبية بالحرية والديمقراطية والتنكيل بقيادات الحركة الشعبية، والسلطة دائماً تريد أن تفتح حواراً وطنياً ولكن دون أية ضمانات أو جدول أعمال كما أنها ترفض أن تناقش قضايا مثل تداول السلطة والفترة التي سيظل فيها رئيس الدولة وحزبه في الحكم، وهو ما يحدث حالياً في دعوة النظام الحاكم في سورية وقبله في ليبيا واليمن، محاولات دمشق اليوم لحوار وطني هلامي لن يكون له جدوى بعد المتغيرات التي حدثت في المنطقة، والمطلوب أن يثبت النظام جديته عبر إعلانه جدول أعمال الحوار ومداه الزمني وضمانات تنفيذ نتيجة أعماله، ومن سيتحاور مع من؟!*** هل يوجد تصنيف وتمييز بين دم عربي وآخر... وهل هناك «خيار وفقوس» بين حقوق الإنسان الليبي والسوري؟ سؤال قرأته ضمن تعليقات المواضيع في الـ«فيس بوك»، ويعلله صاحبه قائلاً: إذاً لماذا دعت جامعة الدول العربية بعد أيام قليلة من أحداث 17 فبراير الماضي في ليبيا وبعد ما شهدته مدينتا بنغازي والزاوية إلى اجتماع عاجل اتخذت فيه قرارات ضد السلطة الحاكمة في طرابلس، وطلبت من المجتمع الدولي أن يقوم بدوره بحماية المدنيين الليبيين، بينما يتعرض الشعب السوري لحملة مشابهة بل إنها في بعض المواقع أكثر شراسة دون أي ردة فعل عربي، رغم وجود تشابه يكاد يكون متطابقاً في الحالتين الليبية والسورية، ففي أحداث البلدين وسائل الإعلام المستقلة ممنوعة من التغطية، والنظامان يتحدثان عن عصابات مسلحة هدفها إقامة إمارات إسلامية؟ فعلاً السؤال وتعليله له وجاهته لأن ما يحدث للشعب السوري الموثق عبر شهادات من الأهالي الهاربين في لبنان وتركيا والمنظمات الإنسانية يثبت حدوث ممارسات قمعية ضد المدنيين لا يجوز أن يتجاوزها العرب وجامعتهم العتيدة التي ستعتبر شريكاً في الجرم إن لم تبادر إلى معاملة الشعب السوري كما عاملت الليبيين من قبل وتحمي المدنيين وتحقق في ما تتعرض له درعا وبانياس وتلكلخ وحمص من ترويع وقتل، وما يتردد عن مقابر جماعية وتجاوزات على حرية الأفراد وممتلكاتهم وأقربائهم في سورية.***ما حدث في جلسة أمس من أحداث مخزية ومواجهات بين النواب في قاعة عبدالله السالم على أسس طائفية كان النتيجة الحتمية التي توقعناها، من ممارسات الشحن المذهبي والعنف اللفظي، والروح الطائفية المكتسحة في البلد، الديرة على حافة الهاوية والجميع يتفرج دون حراك لوقف الخطر الداهم، هذه نتيجة الإسلام السياسي يا أهل الكويت وإذا أردتم خراب الديرة فأوصلوا المزيد منهم من السنة والشيعة إلى مجلس الأمة حتى يتقاتل أبناؤنا في الشوارع، فما بعد «بوكسات» هايف والمطوع والحربش والقلاف إلا «متاريس» ميليشيات المتطرفين بين المناطق والقتل على الهوية... فهل من تحرك من الدولة والمجتمع يقمع كل العابثين بالسلم الأهلي؟