عذرا يا شيخنا "أبا العلاء"... سنضطر لتغيير بعض ما جاء في بيت شعرك الخالد، وليكن على النحو التالي:
تعب كلها "الكويت" فما أعجب .. إلا من راغب في "البقاء"!فما يحدث في هذا البلد متعب، ومضجر، ومثير للغثيان إلى أقصى حد، ضجيج وضوضاء وإزعاج لا ينتهي، لم نعد نسمع للعقل والحكمة والاتزان صوتا، فقد سيطرت أصوات الهيجان العنصري والمذهبي والفئوي على الأجواء، وصرنا نسمعها مجبرين صباح مساء، تخترق آذاننا بكلمات الكراهية والتعصب والانتقاص من قدر الآخرين!كالأطفال أصبحنا، لا نزن الأمور بهدوء وروية، بل نندفع غاضبين خلف عواطفنا، ننجرف وراء كل قضية تافهة لنحولها قضية الموسم، نتجادل ونتعارك ونتقاتل من أجلها ومن أجل من يثيرها، تطل الفتن علينا برأسها صباح مساء، تنذر بمستقبل مشؤوم لا يتمناه صديق أو عدو، ونحن غافلون متمادون في غينا، نتعادى، ونتباغض، ويكره بعضنا بعضا من أجل قضايا لا يلتفت ولا يلقي لها بالا في مجتمعات أخرى على شاكلة (مذهبي أفضل من مذهبك، عائلتي أكثر وطنية من عائلتك، أجدادي أكثر ولاء من أجدادك).. وهلم جرا.وأتساءل: ما سبب كل هذا؟ هل هو الفراغ؟! ألأننا شعب مترف، منعم، يتلقى تعليما سيئا، ويتابع فنا هابطا، ويتابع برامج ساذجة، ويقضي معظم يومه في النوم وفي جلسات الدواوين والمقاهي أصبحنا هكذا.. لا نجد شيئا حقيقيا نصنعه في يومنا فنمضي وقتنا نتسلى في اللعب بالنار، نار العصبية والمذهبية والفئوية؟!يقذف معتوه سخافاته المتطرفة فنرتجف جميعا غضبا لما قال، وننشغل في الرد على سخافاته أسابيع عديدة، يخرج عنصري مخبول على الشاشة ليوزع صكوك الولاء للوطن على المواطنين فندمن مشاهدته مترقبين ما يقوله وكأنه سيطردنا من جنات النعيم أو يدخل الجحيم، يعقد باحث عن الشهرة ندوة فنهب لتغطيتها والحديث عنها وعما قيل فيها فيرقص طربا ويفرح لأنه حقق ما يريد من شهرة، يتطاول مغرورا على فئة من الناس يفترض أن تكون قدوة في اللجوء إلى القضاء فتهب لتأخذ حقها بيديها ضاربة أسوأ المثل، ومستنة سنّة سيأتي من يقلدها ويصنع مثلها!أهي العين أصابتنا؟ أم أننا تردينا في كل شيء، حتى في تفكيرنا وسلوكياتنا وردود أفعالنا تجاه أبسط وأهون الأمور؟!كل المفاهيم لدينا أصبحت مغلوطة، حرية التعبير هي أن نشتم هذا ونلعن ذاك ونمس كرامة هذا وندوس ذلك، وحرية الرأي أن تتهم الناس في ذممهم بما يجوز ولا يجوز، والإعلام وسيلة للضغط والابتزاز والتنفيع الشخصي، والديمقراطية صندوق انتخابات وفزعة لابن الطائفة والقبيلة والطبقة، والوطن قسمان خارج السور وداخل السور، والمواطنة هبة يمنحها البعض للبعض الآخر ويسحبها منه متى شاء!ولدينا حكومة، بسم الله ما شاء الله، حجزت مقعدا في المقصورة الرئيسة ثم جلست تتفرج على ما يحدث أمامها من فوضى، وكأن الأمر لا يعنيها من قريب أو بعيد، بريئة، وطيبة، ومسالمة حكومتنا رعاها الله!وكنت يا سادتي خارج البلاد أنعم بإجازة جميلة، لا همّ ولا غمّ، عدا لحظات قليلة يهمس الشيطان في أذني بأن أقرأ الصحف المحلية لأرى ما يحدث في وطني، فأطيعه غفر الله لي، فما إن أقرأ العناوين الرئيسة، حتى أتعوذ بالله من الشيطان الرجيم، وأحلف بألا أعود لمثل هذا الفعل ثانية!وقبل سنوات... كنت أعجب ممن يهاجر من الكويت ليعيش في بلد آخر، وممن يسافر لمدة طويلة دون أن يقتله الشوق للكويت، واليوم، ويا للعجب، كلما عدت من إجازة قصيرة، وأمضيت أياما معدودة هنا، اشتقت للبلد الذي عدت منه من كثرة ما أرى من منغصات ومنكدات و"مغمغمات"، وصرت أعجب من كل "راغب في البقاء" وعدم الرحيل لأرض الله الواسعة!
مقالات
اشتقت لغيرك يا وطني!
22-10-2010