المنبر الديمقراطي... الهوية
في ظل الأوضاع السياسية الملتبسة والمتأزمة في الكويت لفتت الأنظار السبت الماضي الممارسة المتميزة في المنبر الديمقراطي الكويتي، المتمثلة في انتخاب أمانته العامة الجديدة وسط تنافس نادر في القوى السياسية، وبمشاركة شبابية كبيرة تعكس توجهاً من هذا القطاع المهم من المجتمع إلى العمل السياسي المنظم، تتماشى مع أجواء التغييرات التي تشهدها المنطقة العربية، ومحصلة السنوات العشرين الأخيرة من العمل السياسي الكويتي الذي سادت فيه روح العمل الفردي والنزعات السياسية المبنية على أسس دينية وعرقية، نتج عنها الانقسامات المناطقية والفئوية الحالية التي تزيد القلق على مستقبل البلاد.
الحالة الديمقراطية في الكويت عانت كثيراً، بسبب غياب العمل السياسي المنظم، لفقدان التنظيمات السياسية الوطنية الجامعة التي ينظمها القانون كما أشارت إليها المذكرة التفسيرية لدستور 1962، وغيابها مازال يمثل سلبية كبيرة في التجربة الديمقراطية الكويتية، وبسبب ذلك لجأ السياسيون وجمهورهم إلى بدائل بعضها كان مخرباً من تكتلات تجمع أصحاب التوجهات الفكرية ضمن تلاوين طائفية وعرقية، ولكنها تفرق المجتمع وتشرخ الوحدة الوطنية، حتى وصلنا إلى هذه الحالة من الخطاب المذهبي والقبلي والفئوي المدمر في الكويت، وفي وسط حالة التشرذم القاتمة تلك، يلتئم الجميع في المنبر الديمقراطي بلا أي تمييز بين منتسبيه، بسبب انتمائهم المذهبي أو المناطقي أو الطبقي، ليختاروا من يمثلهم لتحقيق مبادئهم الوطنية العامة في ممارسة نادرة محلياً. المنبر الديمقراطي هو البوتقة التي جمعت كل تشكيلات التيار الوطني الكويتي التاريخية ورموزها في ديسمبر 1991، ومَثل ذلك لدى البعض من المواطنين لبساً في هويته كان بعض خصومه يستغلونه ويروجون بأنه تنظيم قومي عربي أو يساري متطرف أو ليبرالي منفلت للنيل منه وفقاً لحسابات المنافسة السياسية، رغم أن إعلان مبادئه (المنبر) بين بوضوح أنه يمثل تيار الدولة المدنية الدستورية الملتزمة بقيم العدل والمساواة الإسلامية بشكل عام، ويحافظ بالممارسة على آليات «الديمقراطية الاجتماعية» بشكل خاص، وهو ما يجب أن يبرزه المنبريون كتعريف يزيل اللبس عن هويتهم لدى الجمهور ويطرح تجمعهم السياسي كخيار أساسي لكل من يبحث عن سبيل لعمل سياسي منظم يخرجنا من حالات الاصطفاف الطائفي والمناطقي والفئوي الذي أصبح يشكل تهديداً جدياً وخطيراً لكل الكويتيين.ومع تنحي أحد آخر رموز التيار الوطني الكويتي والمناضل، الذي دفع ثمن مواقفه الوطنية إعاقة جسمانية باعتداء استهدف حياته، النائب السابق عبدالله النيباري عن الأمانة العامة للمنبر، وبقائه سنداً مهماً لها بآرائه وخبراته، يكون جيل الوسط والشباب قد تسلم زمام الأمور في التيار الوطني المدني، وأصبح أمام تحد تاريخي بأن يقدم الخيار الوطني الجامع لكل شرائح الكويتيين دون أي تمييز بينهم بخلاف بقية التنظيمات السياسية التي ترتكز على أسس دينية ومذهبية وأحياناً تجمعات عرقية، ولأنه أيضاً (المنبر) الساعي إلى استكمال أسس الدولة المدنية الدستورية الديمقراطية في خضم مخاض التغييرات الإقليمية والتهديدات التي تلف المنطقة بمواجهات طائفية واضطرابات نتائجها ستكون كارثية، إن لم تعالج بنهج سياسي جامع ديمقراطي أساسه المواطنة والمساواة.