قرار الحكومة بإغلاق مكتب قناة "الجزيرة" في الكويت جاء متسرعاً وفي لحظة انفعال لا أكثر، ولهذا لن يصمد مثل هذا القرار طويلاً تماماً مثلما حصل في السابق مع هذه المحطة التي تبقى في صدارة الإعلام العربي مهما اختلفنا معها في الرأي والموقف.

Ad

ومثل هذا القرار أيضاً لا يقدّم أو يؤخّر في عصر المعلوماتية وثورة الفضائيات، بل قد يزيد رصيد "الجزيرة" نفسها من حيث المشاهدين، خصوصاً الكويتيين أنفسهم تحت عنوان "خالف تعرف" أو "كل ممنوع مرغوب"، ولهذا أيضاً فإن أعلى نسبة مشاهدة للقناة كانت خلال اليومين التاليين لقرار الإغلاق، وهذا ما حذر منه بعض الوزراء في اجتماع الحكومة بهذا الشأن.

إن مشكلتنا لا تكمن في "الجزيرة" كمحطة إخبارية، خصوصاً في تغطية أحداث ندوة الصليبيخات التي كانت منقولة على الهواء مباشرة، فرصدت تفاصيل ما جرى بما في ذلك ضرب المواطنين والصحفيين والنواب رغم أن ذلك أحرج الحكومة وفنّد المؤتمرين الصحفيين لقيادات وزارة الداخلية.

ولكن المشكلة تكمن في حقيقة الواقع الذي نعيشه، فيجب ألا نكابر أو "نستعبط" بعدم وجود حالة مزرية من الانقسام والاصطفاف التي باتت تضع البلد برمته على كف عفريت، ويجب أن نقرّ بأن بعض وسائل الإعلام من فضائيات وصحف ومواقع إلكترونية ورسائل هاتفية محلية تغذي هذا الانقسام، وتمارس التعبئة المنظمة والشحن المبرمج للنفوس وبأموال المواطنين أنفسهم، ونتمنى أن تقوم وزارة المواصلات بكشف الفواتير والمبالغ التي ينفقها الناس على سب وشتم بعضهم بعضا على شرائط إعلان المحطات التلفزيونية، ونتمنى أيضاً أن ترصد الوزارة قيمة المسجات التي يتم تحصيلها من المواطنين عبر هواتفهم النقالة، خصوصاً تصريحات النواب، وما يسمى بالنشطاء السياسيين تحت عنوان اشتراكات الخدمات الإخبارية!

ومثل هذه الإحصاءات سوف تكشف وبوضوح ليس فقط حجم الأموال التي ننفقها كمواطنين على المعلومات والتصريحات التي قد لا تعنينا في شيء، وحجمها الكمي الذي قد يغطي مجتمعاً يفوق عدد سكانه عشرة ملايين نسمة، خصوصاً أن كل مسج يتم إرساله لكل صاحب نقال ثلاث مرات على الأقل من شبكات مختلفة.

والأخطر من ذلك كله فإن رصد مثل هذه الإحصاءات بالتأكيد سوف يعكس طبيعة التعبئة النفسية التي يتعرض لها المواطن على مدار الساعة، وإلى أي مدى يمكن أن يساهم ذلك في المزيد من التوتر وتراكم الأحقاد؟

وقد يقول قائل إن هذا ما يطلبه المستمعون والمشاهدون وأصحاب الهواتف النقالة أنفسهم، ويدفعون مقابلها من حُر مالهم، وإن ذلك تعبير عن الرأي والرأي الآخر، وإنه مبدأ من مبادئ الديمقراطية والشفافية وكل واحد يتحمل مسؤوليته بنفسه، فنقول إذن لماذا لا ينطبق الأمر ذاته على "الجزيرة" أيضاً؟! وإذا كانت هذه حالنا... فقناة الجزيرة "شكو إنها تثير الفتنة بيننا"؟!