أسوأ الخيارات!
سيبقى اللبنانيون «يتماحكون» ويستعرضون ألسنتهم وعضلاتهم على مدى الأسابيع المتبقية، حتى يصادق قاضي الإجراءات التمهيدية في المحكمة الدولية دانيال فرانسين على القرار الظني الذي رفعه إليه المدعي العام دانيال بلمار، وكل هذا مع أنه لم تعد هناك إمكانية للتسوية على أساس «لا يجوع الذئب ولا تفنى الأغنام»، بعد أن اتخذت التحقيقات هذا المسار القانوني، وبات غير ممكن إلغاء هذه المحكمة ولا «تنفيس» قراراتها ولا الالتفاف على القرار الظني الذي أصدرته.وبهذا فإن كل هذه الوساطات تبدو مجرد قفز في الهواء ومجرد محاولات لتخفيف قادم أعظم، دلّ الاستعراض الأخير الذي قامت به «ميليشيات» حزب الله في قلب العاصمة اللبنانية وبعض مناطقها الأخرى على أنه سيكون في المرة المقبلة مرعباً ومدمراً ما لم تسقط معجزة من السماء، وما لم يستجد ما ينزع فتيل انفجار بقي اللبنانيون ينتظرونه منذ تشكلت المحكمة الدولية المكلفة التحقيق في جريمة اغتيال رفيق الحريري التي وقعت في الرابع عشر من فبراير (شباط) عام 2005.
هناك من بقي يتحدث عن إمكانية إنعاش الوساطة السورية-السعودية التي طال الحديث عنها، وقيل مما قيل عنها إن الولايات المتحدة هي التي بادرت إلى إحباطها في اللحظة الحاسمة، والحقيقة أنه ومنذ البداية وعلى مدى هذه الفترة منذ غزو حزب الله بيروت الغربية واجتياحها في السابع من مايو (أيار) عام 2008 لم يصدر أي تأكيد عن أي مسؤول سعودي أن هناك وساطة، وأن هذه الوساطة قد حققت ولو تقدماً محدوداً، وكل هذا إلى أن قطع الأمير سعود الفيصل الشك باليقين، وأعلن أن خادم الحرمين الشريفين الملك عبدالله بن عبدالعزيز قد رفع يده, ليس عن لبنان, وإنما عن جهدٍ مشترك بينه وبين الرئيس السوري بشار الأسد.والمشكلة أن حزب الله ومعه من معه من داخل لبنان ومن خارجه مستمرٌّ في الإصرار على أنه سيغير الواقع اللبناني كله، وأنه سيستبدل هذه المعادلة السياسية اللبنانية المزعزعة بمعادلة أخرى بعد إصدار المحكمة الدولية قرارها الظني الذي أصدرته، وهذا معناه أن عودة الحرب الأهلية باتت غير مستبعدة، وأن الاحتكام إلى السلاح غدا مرجحاً مادام هذا الحزب مصمماً على فرض إرادته وبالقوة على اللبنانيين المعارضين لتوجهاته والرافضين لمساعيه إلى تقويض المحكمة الدولية.والمؤرق حقاً أن الجيش اللبناني، الذي من المفترض أنه المخوَّل حماية السلم الاجتماعي في هذا البلد، ومنع أي طرف من استخدام القوة لفرض نفسه على هذه المعادلة اللبنانية الطائفية، لا يستطيع أن يقوم بهذه المهمة خوفاً على وحدته وتماسكه، وخوفاً من أن يصيبه ما كان أصابه عندما انقسم على نفسه في بداية الحرب الأهلية الأخيرة، وخرج منه جيشان أحدهما بقيادة ضابط اسمه أحمد الخطيب والآخر بقيادة الرائد سعد حداد الذي انفصل بجزء من الجنوب وحوله إلى دويلة عميلة للدولة الإسرائيلية.