لا يستطيع أحد أن يقنعنا بأن منع الكتاب ومطاردة الفكر وسيلة ناجعة في الحد من انتشار الكتاب الممنوع والفكر المحظور، والرد على هكذا عقلية لا يحتاج إلى جهد أو تفكير كبيرين. المتأمل لوسائط النشر ووسائل التعبير يرى صعوبة الحد من النشر. التعبير في هذا القرن الفضائي لا يحتاج إلى الجسد الورقي متمثلا في الكتاب وحبر المطابع، ويستطيع عشاق الورق أمثالي أن ينسخوا ما يشاؤون من مقالات ودراسات مهمة باستخدام آلة طباعة صغيرة، ثمن الحبر فيها يفوق ثمنها الأصلي. وأعلم كما يعلم صاحب المقص الذهبي في وزارة الإعلام أن أي نسخة من أي كتاب يمكن أن نحصل عليها بألف وسيلة وطريقة قبل أن يتحرك مقصه الذهبي. وإذا آمنا بأن الرقيب، رجلاً كان أو امرأة، إنسان يقتسم هذه القرية الكونية الصغيرة معنا، وربما كان مثلنا يحصل على المعلومة من المصادر ذاتها التي نحصل منها عليها، فلماذا هذا الإصرار على فرض الوصاية، ولا أقول الرقابة، على عقولنا؟

سنحاول أن نتفهم، ولا أقول نفهم، موقف الرقيب ومن يقف موقفه في منع ما يشاء ويراه خطراً على عقولنا الطرية، وهو يصرح لنا بأن المنع ليس موجهاً ضد الكاتب بشخصه ولا ضد دار نشر بعينها، وإنما ضد الفكرة التي يحملها الكتاب. وإذا علمنا أن الأفكار اليوم وبفضل الانتشار الفضائي للمعلومة لا تحتاج إلى الكتاب لكي تنتقل من الكاتب إلى القارئ ندرك أن الكتاب كجسد فيزيائي ليس هو المقصود أيضاً بهذا المنع. فإذا لم تكن الرسالة ولا المرسل هما المقصودان فمن هو المقصود بهذا المنع؟

Ad

لم يتبق هنا سوى القارئ أو المتلقي للفكرة وليت الرقيب وأنصاره، وهم للأسف أصحاب رسالة، ذكروا ذلك صراحة حتى نحترمهم أكثر أو أقل، لأنهم لو قالوها صراحة لأصبح لخلافنا معهم وجه آخر. رسالة الرقابة موجهة إلى القارئ، وليس الهدف من تلك الوصاية هو المنع الفعلي لوصول هذه الفكرة أو تلك إليه، فالجميع يقرّ بأن ذلك مستحيل وإنما الهدف الحقيقي هو رسم سياسة لما تراه الجهات الرسمية خطاً لها وإطاراً عاماً لا يزعج أحداً ولا يثير زوابع برلمانية هنا وهناك، إضافة إلى الزوابع الكثيرة التي تواجهها هذه المؤسسات الرسمية.

رابطة الأدباء في الكويت أفسدت علي اقتراحي الذي كنت أنوي طرحه، وهي تتبنى بشكل مفاجئ وجهة نظر الرقيب، وتقدر له هذا الموقف وكأنها تنتظر منه جائزة ما أو تزكية رسمية وهي هيئة شعبية تحمل هموم الأدباء، ولكنها تجاهلت الهدف الحقيقي من المنع، وهي تعرف حقيقة ذلك الهدف وبعض كبار رموزها أمثال الدكتور خليفة الوقيان والدكتور سليمان الشطي، وإن لم يكونا أعضاء لإدارتها، يعرفون ذلك وصرحوا به إلا إذا تم تجاهلهم في طرح قضية خطيرة ومهمة كتلك.

كان اقتراحي أن يتحول معرض الكتاب من عمل رسمي يزعج الجهات الرسمية إلى عمل شعبي تقوم عليه جهة شعبية تتصدى هي للإرهاب وتحمل على عاتقها عبء المواجهة، تاركة للجهات الرسمية ما يكفيها من مجابهات. ولكنه يبدو أنه اقتراح فاشل مادامت الجهة التي كنت سأقترح أن تتبناه ملكية أكثر من الملك.

لن أتناول وقوف الأخوة في مصر إلى جانب الأخوة في الرابطة، وسأترك ذلك لزملائي المصريين، فأهل مكة أدرى بشعابها.