من الجهل الكبير والمشين جداً أن نرى بعض الأنظمة العربية اليوم وهي تتجه نحو مراقبة وسائل الاتصالات، ومتابعة تحركات الناس ومنع تجمعاتهم، ظناً منها أنها بذلك ستمنع حصول الثورات المحتملة، عوضاً عن أن تتجه بصدق نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية الحقيقية، وتعيد ترميم الجسور التي تصدعت وتهاوت وبناءها فيما بينها وبين شعوبها!

Ad

من بعد ثورتي تونس ومصر يتساءل كثير من الناس، خصوصاً من أولئك الذين أخذتهم النشوة بما شاهدوه خلال الأسابيع الماضية، عمن سيكون عليه الدور من بعد الرئيسين السابقين زين العابدين بن علي وحسني مبارك ونظاميهما، وتتقافز الترشيحات شمالاً وجنوباً وشرقاً وغرباً، ويأخذ الحماس الناس بعيداً بعض الشيء فيتساءلون عن متى سيكون ذلك؟ متى ستكون الثورة القادمة؟ وهل ستكون قريباً أم لا؟

أستطيع أن أفهم وبوضوح دوافع هذا التشوق الشعبي العربي الحرّاق لاندلاع الثورات، لكنني في الوقت نفسه لا أرى السؤال عمن هو القادم، ومتى سيكون ذلك، مهما جداً، بقدر أهمية إدراك حقيقة أن كل المواد المحفزة للاشتعال، بل الانفجار، موجودة منذ عقود طويلة في الوجدان والضمير الجمعي لكثير من الشعوب العربية، وأن المسألة لا تنتظر سوى إشعال الشرارة الكافية لحصول التفاعل الثوري المتفجر. شرارة صغيرة قد تندلع من سبب لعله ليس في الحسبان، تماما كما حصل في تونس التي اندلعت الثورة فيها لأن مواطنا بسيطاً، بعيدا كل البعد عن السياسة، أحرق نفسه احتجاجا على ظروفه المعيشية البائسة!

كل محاولات التحليل المنطقي، وربما الفلسفة أو الفذلكة، للإشارة إلى الأسباب المباشرة التي أدت إلى اندلاع ثورتي تونس ومصر في هذا الوقت بالذات من بعد عقود طويلة من الصبر على قهر الظلم والاستبداد والفساد، ستبوء بالفشل، وأيضا كذلك فإن كل محاولات استنتساخ تلك الآليات أو إعادة تصنيع ذات الأسباب التي أدت إلى اندلاع هاتين الثورتين، سواء بأن يقوم أحدهم بإشعال النار في نفسه احتجاجاً، كما فعل البوعزيزي التونسي، وهذا حصل بالفعل في دول عربية عدة، أو أن يحاول أحدهم تأجيج الثورة عبر «الفيسبوك» و«تويتر»، لن تؤدي بالضرورة إلى اندلاع أي ثورة.

إذن، سيكون من قبيل إضاعة الوقت والجهد، البحث والتفتيش عن تلك الأسباب المباشرة، وتجاهل حقيقة وجود الأسباب الجذرية الصارخة الجاثمة على صدور تلك الشعوب التي ثارت. أسباب الظلم والقهر والاستبداد والفساد والطغيان، وهي الأسباب ذاتها التي تجثم على صدور الملايين الأخرى من الشعوب العربية التي تتحين الفرصة المناسبة في كل ساعة للانقضاض على أنظمتها الحاكمة الباطلة وإزاحتها.

وكذلك من الجهل الكبير والمشين جداً أن نرى بعض الأنظمة العربية اليوم وهي تتجه نحو مراقبة وسائل الاتصالات، ومتابعة تحركات الناس ومنع تجمعاتهم، ظناً منها أنها بذلك ستمنع حصول الثورات المحتملة، عوضاً عن أن تتجه بصدق نحو الإصلاحات السياسية والاقتصادية والإدارية الحقيقية، وتعيد ترميم الجسور التي تصدعت وتهاوت وبناءها فيما بينها وبين شعوبها!

إن الثورات في كل بلدان القهر والظلم والاستبداد والفساد قادمة لا محالة، لأن أسباب ذلك موجودة وبكثافة مدمرة في صدور الشعوب وضمائرها، وستندلع هذه الثورات بغتة لأسباب قد تبدو واهية لو نحن حاولنا تخيلها الآن.

سيحصل هذا، طال الزمان أو قصر، وليس مهماً متى يكون ذلك، فالشعوب التي صبرت طوال تلك السنوات الطويلة المتطاولة تحت الشقاء، لن يعييها أن تنتظر مزيداً من الوقت، لكنها حين تنفجر ستنفجر كالبراكين الثائرة، ولن تقف في وجهها حينئذ لا خطابات الساعين إلى التهدئة، ولا فتاوى من لا يجيزون الثورات والخروج على الأنظمة، ولا حشد قوات الأمن. إنها الحقيقة، فانتبهوا يا أولي الألباب!

 

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة