هل سنشرب دجلة أو الفرات قبل ولادة «العراق الجديد»؟!

نشر في 24-11-2010
آخر تحديث 24-11-2010 | 00:01
 د. شاكر النابلسي - 1 -

يبدو أن موعد ولادة "العراق الجديد" للمنتظرين الصابرين، وربما أيضاً للمتعجلين سوف يتأخر كثيراً في ظل تسارع الأحداث الإقليمية والدولية من حول العراق.

فهل سنشرب دجلة أو الفرات– نحن أحباء العراق، والحالمين به، والراصدين له، والمقيمين فيه صبحاً ومساءً– قبل ولادة "العراق الجديد"، بعد أن تركه آباؤه من زعماء مختلف الطوائف، وأخذوا يتصارعون ويتقاتلون حول فريسة السلطة والمال؟

- 2 -

لنراقب ونرَ ما سوف يجري في الشهر القادم (ديسمبر) من تطورات سياسية عراقية مهمة، ستشير إلى مدى التزام الساسة العراقيين بنصوص الدستور، حيث تنص المادة (76)  في الدستور العراقي بفقراتها الخمس على أن "يكلف رئيس الجمهورية، مرشح الكتلة النيابية الأكثر عدداً، بتشكيل مجلس الوزراء، خلال خمسة عشرَ يوماً من تاريخ انتخاب رئيس الجمهورية، ويتولّى رئيس مجلس الوزراء المكلَّف، تسمية أعضاء وزارته، خلال مدةٍ أقصاها ثلاثون يوماً من تاريخ التكليف. فيما يُكلِّف رئيس الجمهورية، مرشحاً جديداً لرئاسة مجلس الوزراء، خلال خمسة عشر يوماً، عند إخفاق رئيس مجلس الوزراء المكلف في تشكيل الوزارة، خلال المدة المنصوص عليها في البند ثانياً من هذه المادة، ويعرض رئيس مجلس الوزراء المكلَّف، أسماء أعضاء وزارته، والمنهاج الوزاري، على مجلس النواب (325 نائباً). ويُعدُّ حائزاً ثقتها، عند الموافقة على الوزراء منفردين، والمنهاج الوزاري، بالأغلبية المطلقة. في حين يتولّى رئيس الجمهورية تكليف مرشحٍ آخر بتشكيل الوزارة، خلال خمسة عشر يوماً، في حالة عدم نيل الوزارة الثقة".

- 3 -

وفيما لو نجح المالكي بتشكيل حكومة "وفاق وطني"، وفيما لو حازت هذه الحكومة ثقة مجلس النواب العراقي بالأغلبية المطلقة، فإن الشعور بوجود حقيقة سياسية مؤلمة في العراق سيظل قائماً. وهذه الحقيقة هي هذا الاصطفاف الطائفي والنزاع الطائفي الديني والعرقي على المناصب والمكاسب.

فالمحللون السياسيون من عراقيين وغير عراقيين يرون أن المصيبة في العراق الآن هي "أن الكتل السياسية لن تكتفي بقبول طريقة النقاط في تشكيل الحكومة، إنما ستنزل بها الى درجة وكلاء الوزارات، والدرجات الخاصة، وحتى درجة المدير العام. وأرجع إبراهيم الصميدعي المحلل السياسي العراقي هذا الأمر إلى "غياب شبه كامل لمفهوم المؤسسة في الدولة خلال الولاية الأولى لحكومة المالكي (2005-2010). وحيث تحوّلت أنقاض المؤسسات الحكومية الرسمية إلى أعشاش حزبية بامتياز، إلى درجة أصبحت معها قدرة الحكومة على إدارة الدولة واهنة كثيراً. وطبعت المرحلة السابقة بالفساد والفشل، إلى درجة بعيدة".

- 4 -

دعونا نقرأ مرة أخرى– ونوصل ما انقطع في مقال الأسبوع الماضي– في كتاب الباحثين: غوردون جونسون، نائب رئيس جامعة كمبردج، والباحث العراقي مجيد الهيتي، حيث إن هذا الكتاب، له علاقة وثيقة بما يجري الآن في "العراق الجديد" من إهدار للثروة النفطية الأولى، وهو النفط، وفساد مالي كبير.

يقول هذان الباحثان، إن الحرية الاقتصادية تُعدُّ مؤشراً أساسياً على رفاه أفراد أمة من الأمم. وهي مقياس مهم لوجود المؤسسات اللازمة لنجاح الديمقراطية، وحسب "مؤشر الحرية الاقتصادية" لمؤسسة "هريتاج" الأميركية، فإن 31 دولة مسلمة من مجموع 41 دولة تقع في أسفل سلم 155 دولة في العالم. ومن ضمن هذه الدول الـ31 هناك 8 دول مسلمة منتجة للنفط.

فلماذا هذا المصير التعيس لدول مسلمة منتجة للنفط، في حين أن دولاً أخرى، لا تنتج النفط، كسنغافورة، وتايوان، وكوريا الجنوبية، والصين الحالية، أكثر تطوراً وأكثر غنى من دول النفط، التي في أسفل السلم، أو في منتصف السلم، أو بين هذا وذاك؟!

الجواب عن هذا السؤال- بكل بساطة- أن هذه الدول عكفت على تطوير البشر فيها، حيث إن الثروة الحقيقية تكمن في تطوير البشر، وليس في استخراج ما في باطن الأرض.

فالدول في هذه الأمم، تنقِّب في رأس البشر عن الإبداع، أكثر من تنقيبها في جوف الأرض عن الثروات.

- 5 -

في حديث هذين الباحثين عن "مخاطر النفط" على الاقتصاد، وإقامته للاقتصاد الريعي، يقولان إن "النفط يتيح فرصة الازدهار أمام المواطنين، كما هي الحال في النرويج، والولاية الأميركية البيضاء (آلاسكا)، شرط أن تتحقق المؤسسات الديمقراطية الراسخة للمجتمع المدني، كما تحققت في هذين المكانين النفطيين من العالم. والمؤسسات الديمقراطية التي نعنيها هنا هي: حكم القانون، واستقلال القضاء، والصحافة الحرة. وهذه المؤسسات الثلاث، هي الضمانة الوحيدة لتحقيق الشفافية في عمل الحكومات، والسماح لممثلي الشعب بمحاسبتها بدقة. أما البلدان التي تفتقر إلى مثل هذه المؤسسات الديمقراطية، فإن النفط عمل فيها على تعميق الفساد، والطغيان، والقمع. وكان صدام حسين- مثلاً– يجسد المثال المتطرف للمستبد النفطي، مع الأخذ بعين الاعتبار أن "الاستبداد النفطي" مستشرٍ في بلدان عدة منها: أنغولا، وإيران، ونيجيريا، وروسيا، وفنزويلا، وغيرها من البلدان المنتجة للنفط. والعراق الحالي، إن لم يتم فيه الإصلاح السياسي والمالي بسرعة، فإنه سوف ينضم إلى هذه القائمة من دول "الاستبداد النفطي".

- 6 -

إن من بين الشؤون المهمة، التي يثيرها هذان الباحثان في كتابهما، المخاطر التي تُحيق بالشعوب حين تسيطر الحكومات على العائدات النفطية، ويقولان بثلاثة مخاطر رئيسة هي: معاناة الاقتصاد الوطني، حيث يرتفع سعر عملة البلد ارتفاعاً كبيراً مضراً، نتيجة لشدة الطلب عليها. والخطر الثاني معاناة الحكومة الوطنية، حيث تؤدي عائدات النفط إلى زيادة التمسك بالسلطة، وعدم تداولها. وهذا الوجه من الدكتاتورية يؤدي إلى الفساد السياسي والمالي، أما الخطر الثالث فهو معاناة الدول الأخرى المحيطة بالدولة المنتجة للنفط، حيث إن كل ضرر أو فساد يصيب دولة النفط، يتسرب إلى خارجها، ويستشري في الدول المجاورة، بواسطة العاملين والمهاجرين إلى الدولة النفطية، والعائدين منها إلى أوطانهم. والمثال القريب من ذلك ما تمَّ في مصر، والأردن، وربما في المغرب، في العشرين سنة الأخيرة. وهؤلاء العائدون يأخذون بالتحريض على الديمقراطية ومعاداتها، والدعوة للسلفية والأصولية المتشددة، وبذا تتحول الثروة النفطية في بعض البلدان إلى خطر يتهدد الديمقراطية وأنصارها في البلدان الأخرى المجاورة، التي أخذت فيها الديمقراطية تمدُّ جذورها فيها قليلاً قليلاً.

* كاتب أردني

back to top