الخصوصية والتعميم بين المذهبية والوطنية

نشر في 21-05-2011
آخر تحديث 21-05-2011 | 00:00
 فراس خورشيد يقع البعض في خطأ التعميم إما متعمداً وإما ساهياً، ولابد من تسليط الضوء على هذا الخطأ الذي يوقعنا بخلط سيئ للأوراق، ويجر علينا ويلات لا تحمد عقباها، إذ يمكن أن يهدد كيان الدول وتماسك الشعوب.

ولابد أولاً أن نتبين المقصود من الخصوصية والتعميم، فإذا نظرنا إلى الفرد، نرى أن له أكثر من جهة وحيثية يُنظر إليه منها، فيمكن أن ينظر إليه من حيث الوطن، اللون، العرق، الدين والمذهب، المهنة، المنهج السياسي... إلخ. وللفرد في كل حيثية دائرة تضم المشتركين معه في تلك الحيثية، فالفرد المنتمي إلى دائرة من حيث خصوصية معينة، ينتمي إلى دوائر أخرى من حيثيات وصفات وخصوصيات أخرى. فعند وقوع نزاع لخلاف ما أو خطأ أو جرم من أحد الأفراد في دائرة معينة، يجب أن يتم التعامل من حيث خصوصية تلك الدائرة، لا من حيث خصوصيات الفرد الأخرى التي يجتمع بها مع أفراد من خارج الدائرة التي وقع فيها الحدث، فعند التعميم على الخصوصيات الأخرى يدخل أطرف تلك الدوائر قهراً في النزاع الواقع في الدائرة الأولى. ونضرب مثالاً للتقريب: طالب كويتي في جامعة أجنبية، وقع نزاع بينه وبين الأستاذ، فعبر عنه الأستاذ بالفاشل، إلى هنا هذا أمر اعتيادي وداخل دائرته، ولكن لو قال له: أنت فاشل لأنك كويتي أو إن الكويتيين «فشلة»، فسوف يدخل كل فرد كويتي في نزاع قام بدائرة أخرى، لوجود فرد مشترك بين الدائرتين، ولو عممها على المسلمين فسوف تدخل دائرة أكبر في النزاع، ولو كان لونه أسود وزاد عليها لأنك كويتي ومسلم وأسود، فسوف تدخل دائرة اللون أيضا في النزاع.

السياسيون لهم فن في هذا التعميم على الخصوصيات للهروب من واقعهم القُطْري، فيقع حدث في قُطر معين، لا يستطيع السياسي السيطرة عليه، فيقوم بخلط الأوراق ويعمم على الدوائر الأخرى له ولخصومه، من حيثيات وخصوصيات أخرى غير الوطنية، ليخلق جبهات أكبر، يسعى من خلالها إلى الحصول على نفوذ ودعم دوائر أخرى يشترك معها بحيثيات غير القُطرية أو غير الوطنية، وأشد الدوائر قوةً وتأثيراً فوق الوطن هي دائرة الدين. في إحدى الدول العربية وقع خلاف وطني، فقد فيه الساسة السيطرة، فقاموا بتوسيع الدائرة، وتعميم الخلاف إلى دوائر مذهبية وقومية، فبمجرد أن يثيروا في الدوائر الأخرى أن سبب الخلاف هو انتماؤهم إلى تلك الدائرة المذهبية أو القومية، سوف يحفزون كل أفراد الدائرة للدخول في صراعهم القُطري، هذا التعميم له سلبيات أكثر من إيجابايته، أقلها إيجاد خلاف واحتقان بخلفيات قوية بين أفراد دائرة الوطن، يمكن لهذا الخلاف أن يزلزل كيان الوطن القائم على التعايش، إضافة إلى زلزلة كيانات الدول التي ينتقل إليها هذا الخلاف بسبب التعميم.

back to top