«خمالي»
أطلقت وزارة الداخلية حملة "حياتي" بغرض توعية الناس باحترام القانون، وقال اللواء مصطفى الزعابي "إن وعي المجتمع بالأمن ومتطلباته ضعيف، فضلاً عن الاستهتار بالقانون وكسره من قبل شريحة كبيرة من المجتمع"...! لم يقل الصديق مصطفى أمراً جديداً... فوزارة الداخلية في حاجة حقيقية إلى توعية المواطن بالقانون وهيبته... وهذا غرض حملة "حياتي" كما جاء في الخبر... لكن قبل ذلك نسأل وزارة الداخلية من المسؤول عن غياب هيبة القانون...؟! كلمة "هيبة" تعني الاحترام المفروض للقانون والخشية من كسر أحكامه... وحتى تكون للقانون صفة "هيبة" لا بد أن يكون هناك إيمان بجدوى احترام القانون، وأن هذا القانون لا بد أن يكون محايداً ويساوي بين الناس... لا يفرق بين الكبير والصغير، أو القوي والضعيف... ويجب أن يكون هناك إحساس عام لدى الجمهور بعدالة القانون، بمعنى أن يكون ذلك القانون منصفاً... وكلها أمور لا تنزل من السماء، فالناس في المجتمعات النامية عادة لا يؤمنون بالقانون الذي يولد بالتزامن مع ولادة الدولة ذات السلطة المركزية، قبل ذلك لا يوجد غير الأعراف والتقاليد، وهي تأخذ حكم القانون لكن ليس لها عموميته ولا دقة تنظيمه... وإنما يخلق الاحترام للقانون في تلك المجتمعات بإعماله بسلطة الإلزام التي تحتكرها الدولة.
حين تتحدث "الداخلية" عن "هيبة القانون" الغائبة... فهذا يعني إقرارها بعجزها عن إعمال حكم القانون، فوزارة الداخلية عجزت أو "تعاجزت" عن إعمال قانون منع الانتخابات الفرعية، فالعرف العشائري الذي أملاها أمضى أثراً من قانون الحظر، وإذا كنا لا نملك إعمال هذا القانون فالأولى أن نلغيه بنص تشريعي بدلاً من تركه في حالة الموت السريري... و"الداخلية" غير قادرة على ضبط "حرب الشوارع" ووقف هدر الدماء وقبلها هدر الأخلاق... لأن أغلبية من يكسر قانون المرور أهل البلد أولاً ثم الآسيويون (وفق بيانات "الداخلية") الذين يعملون تحت مظلة كفالة أهل البلد... وتم تكريس ثقافة أن أبناء البلد الأقلية في وطنهم هم عادة فوق القانون... وأن الواسطة والمحسوبية والولاءات الخاصة تقف كلها سداً أمام المساواة في حكم القانون. القانون ليس مجرد نصوص في المدونات، وإنما هو ذلك النص "الفاعل" الحي الذي يعمل وتفرضه سلطة الدولة التي تحتكر القهر... فأين القانون، مثلاً، من جرائم التدخين في الأماكن العامة إلى جرائم السرقات الكبرى من المال العام... حين يتم غض النظر عن الجرائم الكبيرة قبل الصغيرة؟ المسألة في النهاية ليست قضية "هيبة قانون" حين قصرت على وافد آسيوي كشفت عيون صقور "الداخلية" عن مصنعه البائس لإنتاج الخمور المحلية، كذلك نرى "هيبة القانون" فاعلة تماماً إزاء كاتب أو صاحب رأي تجاوز المحظور الثلاثي (الجنس والسياسة والدين) في مجتمعات الأعراف المتخلفة... بل هي قضية غياب "هيبة" دولة بكاملها، وهي قضية رياء ونفاق متفق عليهما ضمناً بيننا وبين السلطة... فلنسم الأسماء بأسمائها وبدلاً من حملة "حياتي" سموها "خمالي".