مصر 2010... عام التقدم إلى الخلف (1/2)
• إقصاء «المعارضة» بانتخابات «مشكوك في نزاهتها»... وتصدعات في الأحزاب الرئيسية
• ارتفاع في الأسعار... وظلال الرئيس المقبل تسيطر وشبح التوريث ما زال في الأجواء
• ارتفاع في الأسعار... وظلال الرئيس المقبل تسيطر وشبح التوريث ما زال في الأجواء
لعل التساؤل عن مستقبل الحكم في مصر هو السؤال الأكبر الذي سيطر على عقول الساسة والعامة في مصر عام 2010. وإذ يلملم العام 2010 أوراقه مستعداً للرحيل، فقد أبى أن يعطي المصريين إجابة مريحة عن السؤال الصعب.مر العام بانتخابات أثارت جدلاً كبيراً كرست سيطرة كاسحة للحزب "الوطني" على مقدرات الحياة السياسية، وهو في نفس الوقت الحزب الذي يصر على ترك السؤال بلا إجابة. وبينما يصر السؤال الكبير على الاستعصاء عانت مصر أزمات واحتقانات عمقت صعوبة الحصول على إجابة. وتنوعت الأزمات ما بين الاحتفان الطائفي وأزمة اجتماعية حادة تلازمت مع الارتفاع الكبير في الأسعار، مروراً بالانسداد السياسي أمام قوى المعارضة وقوى الشباب الجديدة، مما جعل السنة الجديدة مثل نظيرتها المنصرمة سنة حبلى بنفس السؤال، بينما يحتجز رحم الحزب "الوطني" الحاكم الإجابة بلا أمل في إجابة قريبة.
على الرغم من الأحداث الكبيرة التي شهدتها مصر خلال عام 2010، فإن العنوان الأبرز الذي طغى على كل تلك الأحداث، هو "التقدم إلى الخلف"، فعلى الصعيد السياسي كان 2010 بداية انطلاق الاستحقاقات الانتخابية الكبرى، إذ شهد انتخابات نيابية لغرفتي البرلمان (الشورى والشعب)، التي اعتبرها كثير من المراقبين والمحللين "بروفة" لما يمكن أن تشهده مصر في انتخابات الرئاسة في 2011.وشهدت انتخابات مجلسي الشورى والشعب العديد من الانتهاكات، التي نالت– بحسب الكثير من التقارير الحقوقية، وشهادات من شاركوا في تلك الانتخابات من رموز المعارضة والأحزاب والقوى السياسية- من مصداقية الحكومة المصرية ورغبتها في إجراء انتخابات نزيهة يكون الصندوق الانتخابي هو الفيصل في الاختيار، كما أعلن الرئيس المصري حسني مبارك في خطابات جماهيرية سابقة له، قبيل انطلاق سباق الانتخابات النيابية.إقصاء «المعارضة»فعلى صعيد المنافسة السياسية، شهد 2010 إقصاء كبيرا لقوى المعارضة الرئيسية للحزب الحاكم، سواء في البرلمان أو في الشارع، وهي جماعة "الإخوان المسلمين"، فبالإضافة إلى حملات الاعتقال الواسعة في صفوف الجماعة، كان الحدث الأبرز في انتخابات مجلس الشعب 2010 هو خسارة الجماعة، التي يصر الإعلام الرسمي في مصر على وصفها بـ"المحظورة"، جميع مقاعدها- التي بلغت 88 في برلمان 2005- باستثناء مقعد وحيد، حصل عليه النائب السابق مجدي عاشور بعد مخالفته قرار الجماعة بمقاطعة جولة الإعادة في الانتخابات، وذلك في أعقاب سيناريو "سينمائي" حول محاولة الجماعة اختطافه لمنعه من خوض الانتخابات، وتحرير سلطات الأمن له ليتمكن من خوض الانتخابات.كما شهد عام 2010 مواجهة جديدة مع حزب الوفد، أكبر أحزاب المعارضة في مصر، والذي خاض انتخابات مجلس الشعب مدفوعا بطموح كبير في حصد 60 مقعدا، لاسيما مع الدفعة الكبيرة التي حصل عليها الحزب من رئيسه الجديد د. السيد البدوي، الذي ظهر في ثوب "المنقذ" محاولا انتشال الحزب من الجمود والصراعات التي أنهكته في السنوات السابقة.وساهمت الانتخابات الديمقراطية الحقيقية، التي جاءت بالبدوي، في زيادة شعبية الحزب في الأوساط السياسية، إلا أن البدوي القادم من دنيا المال لم يدرك أن للانتخابات حسابات أخرى غير حسابات الشعبية والقدرة على الإنفاق، فكانت النتيجة أن خسر مرشحوه الانتخابات من الجولة الأولى، وبينهم أبرز قيادات الحزب، ونوابه في المجلس المنتهية ولايته، ليجد البدوي نفسه بين مطرقة منتقديه وجبهة منافسه الرئيسي محمود أباظة داخل الحزب، وسندان الضغوط من الحزب الحاكم ومرشحي الحزب الراغبين في خوض جولة الإعادة، لكنه اتخذ في النهاية قرارا بمقاطعة جولة الإعادة، لتتضاعف وطأة الأزمة، ويواجه رئيس "الوفد" انشقاقا من معظم المرشحين، الذين خاضوا جولة الإعادة، وفاز منهم 5 مرشحين ليصل عدد مقاعد الحزب في البرلمان إلى 6 مقاعد فتحت الباب أمام المزيد من الخلافات الداخلية.ورغم النفي المتكرر من جانب أحزاب المعارضة لوجود صفقات مع الحزب الحاكم لتحتل مقاعد "الإخوان"، فإن اتهامات متصاعدة اشتعلت في حزب التجمع ذي التوجهات اليسارية، الذي حصل على 5 مقاعد في مجلس الشعب الجديد، لكن الانشقاقات التي يواجهها الحزب طغت على الاحتفاء بهذا الإنجاز. ودخلت أحزاب معارضة اصطلح على تسميتها بالأحزاب الصغيرة، إلى ساحة البرلمان لأول مرة، إلا أن ذلك لم يفلح في إضافة قوة حقيقية إلى المعارضة التي لن يزيد تمثيلها في البرلمان على 2 في المئة فقط.جدل الرئاسةعلى صعيد الحراك السياسي، تراجع حضور الحركات الاحتجاجية مثل حركة كفاية، في المشهد السياسي، وحلت مكانها حركات أخرى مجهولة الجذور، اما للدعوة إلى ترشيح جمال مبارك نجل الرئيس المصري في انتخابات الرئاسة المقبلة، أو لإعلان دعم الرئيس مبارك للبقاء لفترة رئاسية جديدة، وسط حالة من الغموض والارتباك في صفوف قيادات الحزب الوطني الحاكم بشأن تحديد شخصية المرشح المقبل للحزب في الانتخابات. فبعد محاولة لإرجاء الخوض في هذا الملف، اضطر أحد قيادات الحزب البارزين، وهو أمين الإعلام د. عليّ الدين هلال إلى إعلان أن الرئيس مبارك هو مرشح الحزب في الانتخابات الرئاسية المقبلة، وهو ما كان أوضح إعلان في هذا الشأن، بعد حالة الغموض التي أدت إلى خروج أصوات عديدة تدعو إلى ترشيح جمال مبارك.ولم تثر الانتخابات النيابية في 2010 غضب المعارضة والمنظمات الحقوقية فقط، بسبب الانتقادات لافتقار تلك الانتخابات إلى ضمانات النزاهة والحيادية، بل امتد الأمر أيضا إلى الساحة الخارجية، إذ مثلت الانتخابات المصرية (الشورى والشعب) أحد عوامل انتهاء شهر العسل بين القاهرة وواشنطن، في أعقاب وصول الرئيس باراك أوباما إلى البيت الأبيض وخطابه الشهير إلى العالم الإسلامي من جامعة القاهرة. فقد تسبب الخلاف العلني بين العاصمتين بشأن الرقابة الأجنبية وضمانات الانتخابات في تعكير صفو العلاقة، إذ أعربت الولايات المتحدة على لسان المتحدث باسم وزارة الخارجية عن قلقها وشعورها بالفزع إزاء المخالفات التي شابت الانتخابات، وأضاف أن الأنباء التي ترددت عن وقوع مخالفات في الانتخابات تثير شكوكاً في نزاهة العملية الانتخابية وشفافيتها. غلاء ولم تكن الأوضاع على الساحة الداخلية أقل توترا، فقد شهد 2010 العديد من عوامل الاحتقان والغضب في حياة المصريين، إلى جانب الموجات الجديدة وغير المسبوقة من غلاء الأسعار، وخاصة في ما يتعلق بالسلع الأساسية، حتى باتت أسعار اللحوم والخضراوات مثار حديث المواطن المصري الذي لم يشهد من قبل مثل تلك المستويات من الغلاء والتضخم. وهذا الأمر جعل أي حديث للحكومة عن تحسين معيشة المواطنين والإجراءات التي تتخذها من أجل مواجهة عمليات الاحتكار والزيادات غير المبررة في أسعار معظم السلع، ليس فقط محل شك عميق، بل أيضا مثار سخرية مريرة.إمام جديد للأزهر أعاد الدفء مع الكنيسة والشيعةمنذ أن وصل د. أحمد محمد الطيب (64 عاماً) إلى كرسي مشيخة الأزهر في 19 مارس 2010، بعد وفاة د. محمد سيد طنطاوي، وهو لا يكل ولا يمل من العمل في تنفيذ خطة طموحة لإعادة الأزهر إلى مكانته العالمية وهيبته الضائعة. فالرجل الذي حصل على شهادة الدكتوراه من السوربون وتولى الإفتاء، ثم رئاسة جامعة الأزهر، تولى الإشراف بنفسه على جميع ملفات الأزهر الداخلية والخارجية، وبدأ في عملية إصلاح شاملة بدأها بإعادة تدريس مذاهب الفقه السنية الأربعة بعد أن كان قد ألغاها سلفه. كما بدأ في إعداد دعاة على أعلى مستوى بعد تزويدهم باللغات الأجنبية والشرقية ليخاطب الداعية أهل كل لغة بلغتهم، وشهدت علاقته مع القيادات المسيحية في مصر جوا من الدفء والتقدير المتبادل.ولم تقتصر لمسات شيخ الأزهر الجديد على تطوير مؤسسات الأزهر، فقد خرج على العالم الإسلامي بمواقف هادئة متزنة من قضايا مشتعلة، مع إعادة طرحه لمنصب شيخ الأزهر باعتباره شيخا لجميع المسلمين، فنشط "رابطة خريجي الأزهر" لتكوين كيان عالمي للأزهر يساعد على تأكيد عالمية الأزهر، في حين قام بجهود تحمد في التقريب بين السنة والشيعة، فصرح بأن "السنة والشيعة مسلمون، ونحن نصلي خلفهم وهم يصلون خلفنا".مجلس الدولة 2010: «قبلة» المعارضين وأحكامه أحرجت الحكومةتحول مبنى مجلس الدولة المصري الكائن في ضاحية الدقي بالجيزة إلى ملاذ المعارضين لرموز وصفقات الفساد داخل الجهاز الإداري للدولة. واتخذ قضاة مجلس الدولة صف الشعب وأصدروا أحكاماً تاريخية أحرجت الحكومة المصرية، منها الأحكام التي أكدت بطلان الانتخابات التشريعية.وأنهى مجلس الدولة عام 2010 بإحراج الحكومة ووضعها في مأزق كبير، إذ أصدر أكثر من ألفي حكم -درجة أولى وثانية- نزعت في مجملها الشرعية عن البرلمان الجديد، علماً بأنه كان قد بدأ عامه بإلزام الحكومة بوقف تصدير الغاز الطبيعي المصري إلى إسرائيل بمبالغ زهيدة.وفي قضية تصدير الغاز إلى إسرائيل قالت المحكمة الإدارية العليا -أعلى محكمة إدارية في مصر وثاني درجات مجلس الدولة- إن «الصفقة التي عقدتها الحكومة المصرية مع الشركة التي تصدر الغاز الطبيعي إلى إسرائيل تمت في جو من الريبة والشك وبسرعة وسرية تثير التساؤلات حول فساد يسيطر على تفاصيلها». وقضية الغاز تعتبر من أولى القضايا المصرية التي تواجه فيها المعارضة الحكومة، وهي فاتحة الباب أمام قضايا أخرى رفعتها المعارضة لتوقف نزيف المال العام المصري في صفقات يشوبها الفساد ويتورط فيها كبار قيادات الدولة.وفي حكم آخر، أحرج قضاة مجلس الدولة الحكومة المصرية مع إسرائيل، حكمت المحكمة الإدارية العليا بإلزام رئيس الوزراء ووزير الداخلية بسحب الجنسية المصرية من المصريين المتزوجين بإسرائيليات، واعتبرتهم «مشكوكاً في ولائهم لا يصح الاطمئنان إليهم بما يهدد الأمن القومي للبلاد».وانتهى عام 2010 بينما كان المجلس مازال ينظر في قضية أخرى تخص العلاقات المصرية -الإسرائيلية، وهي دعوى أقامها السفير إبراهيم يسري -صاحب حكم وقف تصدير الغاز- ضد النظام المصري يطالب بإلزامه بوقف بناء الجدار الفولاذي بين مصر وقطاع غزة، من المنتظر أن تحكم فيها خلال الشهور الأولى من 2011.وألزم مجلس الدولة في حكم تاريخي الحكومة بوضع حد أدنى لأجور العاملين فيها يتناسب والزيادة الجنونية في الأسعار، وأيدت مطالب المعارضة المصرية بأن يكون الحد الأدنى لأجر العامل لا يقل عن 1200 جنيه، لكنها لم تحدد قيمة معينة.ومن القضايا المهمة تصدى مجلس الدولة فيها لصفقة فساد كبيرة باعت الحكومة خلالها 8000 فدان في القاهرة الجديدة لمجموعة طلعت مصطفى التي يمتلكها رجل الأعمال هشام طلعت مصطفى لتقيم عليها «مدينتي» -واحدة من أكبر المدن السكنية الفاخرة- بالمجان وبلا مقابل سوى حصول الحكومة على 7 في المئة من وحدات المباني.وأكدت المحكمة الإدارية العليا أن عقد بيع الأرض باطل، وأن الصفقة شابها الفساد، وألزمت الحكومة باسترداد الأرض مرة أخرى وعرضها للبيع في مزاد علني، وهو الحكم الذي أوقع الحكومة في أزمة لم تفلح حتى الآن في الخروج منها، حتى بعد أن ألغت البيع الأول وباعتها ثانية للشركة بعد تعديل الشروط.