هذه المقالة لا تنطبق كثيراً على الكاتب العربي، لذا اقتضى التنويه.

Ad

يعيش الكاتب حياته في البحث عن عمل تتوافر به مقومات النجاح الكاملة: قصة متقنة ومرغوبة، لغة حية يكتب بها أو يترجم إليها، ودار نشر تعرف كيف تسوّقه إضافة إلى الكثير من الحظ. وفي توافر تلك المقومات بإمكان كتاب وحيد أن يجعل منه متفرغاً للكتابة والسفر والمتابعة مدى حياته. وتنظر كثير من دور النشر إلى كاتبها الجديد كبيضة تبيض ذهباً، وتطالبه بإلحاق الكتاب الأول بسلسلة من الكتابات المشابهة، وتستمر السلسلة إلى أجزاء غير معلومة، وربما لا تقف حتى يرى الكاتب عقمه الأدبي، ويرضخ للابتعاد عن القمة لتبدأ سلسلة البحث عن دجاجة جديدة. ما حدث مع الكاتب السويدي ستيج لارسون يدعو إلى ضحك يشبه البكاء. وقصة حياة لارسون أكثر سخرية من أي رواية ساخرة.

ستيج لارسون... ربما كان الاسم غير معروف للقارئ العربي في الوقت الحالي، ولكنني على يقين أن دور النشر العربية الآن تتسابق لترجمة الجزء الأول، على الأقل، من ثلاثيته المليونية بعد أن انتشرت بصورة مذهلة في العالم الغربي، وحققت حتى الآن أكثر من عشرين مليون نسخة للترجمة الإنكليزية فقط. قبل أن أشتري النسخة الأولى من كتابه من مطار أوتاوا في رحلتي الأخيرة إلى الكويت كنت أستمع إلى حوار مأساوي عبر إذاعة كندية تجريه المذيعة مع صديقة لارسون (إيفا) التي عاشت معه ثلاثين عاماً. مأساوية الحوار أنه تناول الجانب المادي بعد نجاح الكاتب المليوني وانتشار الترجمات الغربية لكتبه الثلاث.

عاش لارسون صحافياً مناهضاً للعنصرية ومنتمياً إلى التيار اليساري الذي ناصب اليمين المتشدد عداء كاد يصل إلى مرحلة التهديد والقتل. وتنقل لارسون من أستاذ يساري يدرب وحدات القتال في أريتريا إلى رئيس تحرير مجلة "اكسبو". وكان يضع كل ما يخصه تحت اسم صديقته إيفا التي تحملت معه خطورة حياته المهددة وعاشت زوجة غير موثقة الأوراق خوفاً على حياتهما. قرر لارسون كتابة ثلاثيته كأول عمل روائي له مبتدئاً بكتاب "الرجال الذين يكرهون النساء"، وقبل نهاية الكتاب الثالث تقدم إلى إحدى دور النشر السويدية التي أخطأت خطأ فادحاً بعدم قبول نشر السلسلة الجاهزة، ولكن الحظ ابتسم لدار نشر أخرى ووافقت على نشر الثلاثية، وقبل أن تبدأ الطباعة باعت الترجمة الألمانية والنرويجية.

نشرت الدار الثلاثية في عام 2005، ولكن لارسون فارق الحياة في عام 2004 بذبحة صدرية، دون أن يتسلم قرشاً واحداً من ثمانية ملايين يورو هي رصيده الآن. ولم يبتسم الحظ لصديقته (إيفا) التي استطاع ورثة حقيقيون إخراجها من اللعبة، لأنها لم تكن زوجة موثقة للارسون، وتكرموا عليها بمنحها البيت الذي سجله لارسون باسمها خوفاً من التهديد. ولأن إيفا لا تريد أن تخسر كل شيء بسهوله فهي ترفض تسليم الورثة جهاز الكمبيوتر الخاص بلارسون الذي يحتوي على الجزء الرابع من سلسلة الروايات، ولكي تبدو أكثر أمانة أدبية من الورثة فهي تعتقد أنهم يبيعون وريثهم ويقبلون أن تتغير ملامح كتابته، مستدلة على ذلك بتغيير عناوين الكتب لكي تناسب القارئ الأميركي، كما حدث مع رواية "الرجال الذين يكرهون النساء" التي ترجمت إلى "الفتاة ذات وشم التنين" والروايتين التاليتين.

حقق لارسون مقومات النجاح التي ذكرتها في مطلع المقالة، ولكن الحظ جاء بها متأخرة فلم يعش مجد انتصاراته الأدبية، ولم يشهد ما حدث لإرثه من بعده. ولذا علقت إيفا" في حوارها بجملة حزينة قائلة "أخذوا كل ما ترك ولكنهم تركوه لي".