عندما لا يبقى سرٌّ مستوراً بين الدول فإن هذا يعني انحطاط الدبلوماسية، وتردي العلاقات الدولية، وإحلال الشك محل الثقة، وقد يعني الفوضى والخصومات، وهذا هو ما يحصل الآن عندما يجد الناس مع طالع كل صبحٍ أسرار دولهم على شاشة "ويكيليكس".

Ad

كيف يمكن بعد الآن وبعد كل هذه الفوضى في تناقل المعلومات بصحيحها وغير صحيحها أن يجلس رئيس دولة مع رئيس دولة أخرى وراء باب غرفة مغلقة، ويتحدثا في أمور من المفترض أن تكون في غاية السرية وتتعلق بالقضايا الحساسة، ومن بينها الحروب وتبادل المعلومات والتنسيق بين الأجهزة الاستخبارية...؟!

هناك عرف يرتقي إلى مستوى القوانين على غرار ما هو متبع في بريطانيا بألا تكشف الخارجية البريطانية أسرارها إلا بعد ثلاثين عاماً، والمعروف أن اتفاقيات سايكس - بيكو المشؤومة لم تخرج إلى العلن إلا بعد الثورة الروسية البلشفية في عام 1917، فالبريطانيون والفرنسيون بقوا يتسترون عليها، وكان من الممكن أن تبقى سرية لسنوات لاحقة طويلة لو لم يحصل في روسيا ما حصل، ويبادر الحكم الجديد إلى كشف النقاب عن هذه الاتفاقيات نكاية بالإمبريالية والمعسكر الرأسمالي الغربي.

لكن مع تقدم تقنيات المعلومات فإن أسرار الدول غدت مهددة بالظهور على شاشات المواقع الإلكترونية، وغدت حتى أسرار الجيش الأميركي الاستخبارية والدقيقة يجري تبادلها في أسواق النخاسة، ومعرضة للاتجار بها كأي سلعة من السلع، وهذا إن استمرت الأمور تجري على هذا النحو فإن علاقات الولايات المتحدة حتى مع أقرب حلفائها ستصاب بداء الشكوك المتبادلة وعدم الثقة.

السر الوحيد الذي لايزال صامداً في الولايات المتحدة، وعصيّاً على اختراق المواقع الإلكترونية هو اغتيال الرئيس الأسبق جون كيندي في مطلع ستينيات القرن الماضي، والأسباب هنا معروفة، لكن ورغم أن أسرار هذه الجريمة قد تكون ذهبت مع الذين جرى اغتيالهم تباعاً بعد ذلك الحادث الذي لاتزال تدور حوله الشبهات، فإن العالم قد يفاجأ بأن كل شيء بالنسبة إلى هذا الأمر قد أصبح أمامه على شاشة "ويكيليكس" على غرار أسرار الجيش الأميركي والأسرار الجديدة التي يجري كشفها تباعاً، فالدول غدت بلا أسرار.