على المشتهى


نشر في 12-01-2011
آخر تحديث 12-01-2011 | 00:01
 أحمد عيسى تبدو الكويت أمام المراقبين بلداً ضعيفاً ومختطفاً من قبل النقابات العمالية تارة وأخرى من نواب الأقلية المنظمة بالبرلمان، وبينهما تيارات سياسية أغلبها دينية متشددة، وكل هذا طبعاً نتيجة حتمية لغياب الرؤية وضعف القرار الحكومي، ما حدا بالحكومة متى أرادت تطبيق القانون فطبقته «على المشتهى».

«حكومة تطبيق القانون على المشتهى» هي ذاتها المنوط بها تهيئة البيئة المناسبة للاستثمار واستقطاب رؤوس الأموال الأجنبية والإشراف على تنفيذ المشاريع الضخمة وتحسين البنى التحتية بالدولة، وهي أيضاً التي تكتشف يومياً وجود أطنان اللحوم والأغذية الفاسدة دون أن تقول لنا كيف فسدت؟ ومن وراءها؟ وكيف دخلت البلاد؟، وهي التي انتبهت بعد عشر سنوات أن هناك «منطقة حرة» تعمل بها شركات بشكل مخالف للقانون ولا تملك تراخيص لمزاولة أعمالها رغم أنها تشغل منذ سنوات عدة مبان قائمة، وتستهلك ماء وكهرباء وتستخدم أرقام هواتف أرضية وتتصل عبرها بالإنترنت، ولها سجلات في وزارات التجارة والشؤون والداخلية، وجميعها بالمناسبة خدمات وجهات حكومية، إضافة إلى وجود وزارة تعمل بكامل طاقمها وتشغل خمس مبان جميعها غير مرخصة، دون أن يسأل أي شخص نفسه: كيف اختارت وزارة التعليم العالي هذا الموقع، وكيف تسنى طوال هذه المدة ممارسة عملها بشكل غير قانوني وفي مبان غير مرخصة؟

«حكومة تطبيق القانون على المشتهى» هي التي طبقت قانون التجمعات بحسب فهمها، وهي التي تطالب اليوم بعد ثلاث سنوات من إقرار قانون المرئي والمسموع بتسجيل سيارات البث المباشر، ومكاتب تمثيل القنوات الفضائية العاملة في الكويت لدى وزارة الإعلام مع منحها مهلة لا تتعدى نهاية الشهر الجاري لتعديل أوضاعها، بعد أن أغلقت مكاتب قناة «الجزيرة» دون أن نعلم ما إذا كانت تمارس عملها وفقاً للقانون أو كان لديها سيارات وأجهزة بث مباشر غير مرخصة.

أعود إلى حديث الساعة، زيادة رواتب العاملين في القطاع النفطي، ولمن لم يتابع منكم الموضوع فقد اجتمع مجلس إدارة مؤسسة البترول الكويتية الأسبوع الماضي وأحال موضوع زيادة رواتب العاملين في المؤسسة وشركاتها التابعة نظرا لحلول المراجعة السنوية إلى لجنة مختصة، وهو ما أثار حفيظة طبقة العمال الكويتيين ممثلين بنقاباتهم واتحادهم، وقرروا أن يصعّدوا تحركاتهم وهددوا بالإضراب إن لم تزد رواتبهم كما جاء في إعلاناتهم المدفوعة الثمن.

كمتابع دائماً ما تلفت نظري تداعيات التصريحات الصحافية المرتبطة بزيادة رواتب الموظفين أو كوادرهم المالية بالعموم، وتستهويني ردود الفعل «المدفوعة الثمن» نسبة إلى نشرها عبر الإعلانات بمقابل مادي تنشرها الصحف لجمعيات نفع عام ونقابات واتحادات وتدور معظمها حول موضوع تسرب الكفاءات الوطنية والتلميح باللجوء للإضراب كخيار أخير.

تخيلوا أن دولة الكويت وهي تملك خامس احتياطي نفط بالعالم، وعضو مؤسس بمنظمة الدول المصدرة للنفط (أوبك)، وتنتج يوميا مليونين ونصف المليون برميل من النفط الخام تعتمد بدخلها عليهم بشكل شبه كامل، تبتزها اليوم مجالس إدارات نقابات العاملين في شركات النفط وتهددها بالإضراب إن لم تزد رواتب الموظفين.

الكفاءات الوطنية التي يخشى النقابيون تسربها أليس من الأجدر عليها، كونها كفاءات وطنية وحس مواطنتها عالياً ومرهفاً، أن ترضى بما تحصل عليها من رواتب وامتيازات حالية لأجل خاطر هذا الوطن، أم أن لكونها كفاءات وطنية تعمل في قطاع حكومي يتعين على الدولة مساواتها بما تحصل عليه الكفاءات الوطنية العاملة في شركات القطاع الخاص، ناهيك عن أن التصعيد المفتعل من قبل النقابيين الجدد لإقرار الزيادة لا يعدو عن كونه استعراض عضلات ومحاولة رخيصة لتسجيل مكاسب أمام أعضاء جمعياتهم العمومية، أخذاً بالاعتبار أن مؤسسة البترول الكويتية تجري مسحاً كل ثلاث سنوات لتقييم رواتب الموظفين مقارنة بأقرانهم في القطاع الخاص والقطاعات النفطية الإقليمية، وعليه فإن الزيادة إن كانت مستحقة فإنها ستأتي من المؤسسة وليس من الاتحاد بنقاباته ونقابييه.

أشفق على هذا الوطن من أبنائه، فما إن انتهينا من تصعيد النواب وتهديديهم للنزول إلى الشارع بشكل ينم عن رفضهم لنتيجة الممارسة الديمقراطية بعد فشل طلب عدم التعاون مع رئيس مجلس الوزراء، حتى أتى اليوم من يهدد بشل القطاع النفطي بأكلمه بسبب زيادة الرواتب، مما يذكرنا بمن قرر يوما ما أن يوقف حركة الطيران بمطار الكويت الدولي معاقباً دولة بأكملها بعد رفض مجلس الخدمة المدنية إقرار كادر العاملين في الطيران المدني.

أليس بلدنا هشاً أم أنني أبالغ؟

على الهامش:

وزارة الداخلية عقدت مؤتمراً صحافياً لمدة ساعة على الهواء مباشرة عبر تلفزيون الكويت يوم 10/12/2010 بررت خلاله القيادات الأمنية ضرب المواطنين والنواب أمام ديوان النائب جمعان الحربش، وبعدها بشهر وفي يوم 10/1/2011 اكتفت ببيان من فقرتين أرسلته إلى وكالة الأنباء الكويتية أعلنت من خلاله «استشهاد أحد أفراد الإدارة العامة لخفر السواحل في أثناء مواجهتهم زورقاً عراقياً ضمن المياه الإقليمية الكويتية»، دون أن تذكر اسم الشهيد وكيل عريف عبدالرحمن موسى عبدالرحمن الوادي الذي استشهد في أثناء تأدية الواجب.

back to top