بتفاؤل شديد يتحدّث الأديب المصري محمود الورداني عن مستقبل أكثر إشراقاً للمنطقة العربية بأسرها بعد نجاح ثورة الشباب في مصر، مشيراً إلى أن انتصار الثورة جعل المتتالية القصصية «الحفل الصباحي» التي فاز عنها بالمركز الأول بجائزة «ساويرس» الأدبية في مجال القصة القصيرة أخيراً، جزءاً من التاريخ، مقللاً من القيمة الأدبية لغالبية الجوائز ذات القيمة المالية الكبيرة...

Ad

عن المستقبل الأدبي وأعماله ومسيرته كان الحوار التالي.

في متتاليتك القصصية «الحفل الصباحي» تكريس لفكرة الواقع المفتعل غير الحقيقي، فهل أجهزت ثورة 25 يناير التي شاركت فيها على هذا الواقع؟

المصادفة وحدها هي التي أدّت إلى وشائج وصلات بين «الحفل الصباحي» وبين ما حدث في 25 يناير. كنت كتبت هذه المتتالية على خلفية الحراك السياسي عام 2004 وحتى 2007 والذي تميّز بخروج تظاهرات غير مسبوقة شجاعة وبشعارات جذرية تنادي بإسقاط حسني مبارك، وشاركت فيها واعتقلت ومعي عدد من الناس وأمضيت أياماً عدة في السجن.

لفتني أنه بعد هذه الصحوة حدثت حالة ركود مخيفة جداً ولم يعد أحد يخرج إلى الشارع ولم يعد أحد قادراً على رفع صوته، فأصبحنا نعيش في كابوس وفي هذه الأثناء كتبت المتتالية التي أشرت إليها، فقد كان الأمر بالنسبة إلي لا يصدّق، إذ كيف بعد هذا الحراك كله يحدث موت إلى هذا الحد؟ وبعدما كتبت هذه القصص حصل ما حصل في 25 يناير بصورة غير مسبوقة، لذا أظن أن القصص التي كتبتها ستنتمي إلى التاريخ.

إذاً، بدّدت الثورة هذا الكابوس الذي رصدته في «الحفل الصباحي».

على رغم المخاطر كافة ستكون هذه الثورة نقطة تحوّل فاصلة ليس في مصر فحسب، بل في المنطقة العربية بكاملها.

هل قصدت كتابة متتالية أم لم يكن لديك تصوّر واضح؟

تجربتي الشخصية أنني لا أفكّر في بداية الكتابة بأني سأكتب قصة قصيرة أو رواية أو متتالية أو نصاً مفتوحاً، بل على العكس أفاجأ بعد مسيرة طويلة بالشكل حيث يفرض نفسه على ما أريد كتابته، بمعنى أنني كتبت قصصاً قصيرة في أوقات سابقة وعدت إليها بعد سنوات وكتبتها كروايات (حدث هذا معي مرتين). لا يمكنني التفكير في شكل الكتابة منذ البداية، فالشكل يضم محتوى والمحتوى يجبرك على اختيار شكل، وفي المناسبة لديّ نصوص فوجئت حينما كتبتها بأنها لا تنتمي إلى أي جنس أدبي لأنني لم أستطع إلا كتابتها بوصفها نصوصاً، وهذا أمر يخضع لطبيعة التجربة التي تكتبها.

ماذا عن قصة انقطاعك عن الكتابة في «أخبار الأدب» على رغم عملك فيها؟

معروف أنني اختلفت مع جمال الغيطاني وطلبت نقلي من «أخبار الأدب» إلى «أخبار الحوادث» منذ سبع سنوات، والحقيقة أن هذا الخلاف كانت له أسباب سياسية ومهنية تتعلّق باختياراتي ومواقفي التي تعارضت مع رؤية الغيطاني وقد اخترت آنذاك ترك المكان.

كثر من جيل «نكسة 67» كانوا يرددون بأنهم على رغم فرحة العبور في أكتوبر 73، إلا أن جرح النكسة لم يندمل. هل اندمل هذا الجرح بثورة الشباب برأيك؟

انتصار الشباب في 25 يناير يفوق أي انتصار آخر، فللمرة الأولى نشاهد خروج كل طوائف الشعب بلا استثناء: الفلاح والعامل والفنان والأديب... الثورة جاءت في لحظة كان الناس فيها مستعدين لها مع انهيار المجتمع القديم وميلاد مجتمع جديد.

لم أشاهد تضحية أو مبادرة كما شاهدت طوال أيام الاعتصام، كلنا كان يتعامل بمودة ومحبة شديدة. لذا أنا فرح جداً لأنني شاركت وشاهدت ذلك كله، ونحن بصدد مرحلة سنتجاوز فيها الجراح كافة بلا استثناء. حتى على المستوى الاقتصادي والاجتماعي والإحساس بالعدل وانتزاع الحقوق، أعتقد أننا سننتقل نقلة نوعيّة.

ماذا عن تحذير البعض من إمكان سيطرة «الإخوان» على السلطة مستقبلاً؟

«الإخوان» الذين خاضوا مع زملائهم معركة التحرير ليسوا هم «الإخوان» قبل 25 يناير، وعليهم التحلّي بروح وطنية، فقد اتفقوا مع بقية التيارات السياسية على اختيار الدولة المدنية، وعلى رغم ذلك لم يعجبني استعراض القرضاوي في ميدان التحرير لأنها ثورة الشعب المصري كلّه، وأعتقد أن جماعة «الإخوان» ستكون على مستوى التغيير العنيف الذي حدث.

اعتبرت تقسيم الأجيال الأدبية خطلاً وبلاهة، أليس لكل جيل من فترة عمرية محددة معطياته وظروفه وأسلوبه؟

نحن لم نتّفق على عمر هذا الجيل، البعض يقول 10 أعوام، وآخرون يقولون 20 عاماً، ولا أظن أن ثمة وطناً يستطيع إنجاب جيل أدبي كل 10 سنوات. منذ موجة الستينيات وحتى الآن، ثمة انقلابة حصلت ومستمرة وثمة أجيال جديدة تتجاوز فيها الستينيات لكن هي ليست منبتة الصلة بها.

يعتبر بعض النقاد أن انحياز الجوائز إلى أيديولوجيا بعينها أمر لا يعيبها، ما رأيك؟

في هذه الحالة لا تصبح جوائز، بل تصبح شيئاً آخر محدود القيمة الأدبية على رغم قيمتها المادية المرتفعة، والجوائز تكتسب قيمتها من الحاصلين عليها، فـ{العويس» مثلاً جائزة محترمة و{ساويرس» أيضاً لأن الحاصلين عليها محترمون، وجائزة الدولة في مصر ليست محترمة ليس لأن كل من فازوا بها ليسوا محترمين بل لأن كثراً منهم لا يستحقّونها.

من وجهة نظرك، ما الفرق بين التأريخ للثورة وتناولها من خلال عمل أدبي؟

كلاهما ضروري، توثيق الثورة وكتابة وقائعها وحمايتها من الضياع، خصوصاً حماية التفاصيل الصغيرة. أما أن يعبّر الكتاب والفنانون عن الثورة في ما بعد في أعمال فهذا أمر مهدد بالوقوع في الدعائية والعاطفية. أظن أن الأحداث الكبرى تحتاج الى فترة تأمّل وابتعاد عن سخونة الحدث كي تستطيع التعبير عنه جيداً.

كيف تنظر إلى ثورة المختار في ليبيا والقمع الوحشي الذي يتعرّض له الثوّار؟

زرت ليبيا عام 2006 وعدت رافعاً شعار «الحمد لله أنني لست ليبياً» على رغم أنني كنت أعيش تحت حكم حسني مبارك ونظامه القمعي والدموي واللصوصي والمزيف والكاذب، وهو كلام قلته أثناء حكمه قبل خلعه، حمدت الله حينها لأنني شاهدت كيف قام القذافي بتجريف ليبيا بصورة غير مسبوقة على مدار أكثر من 40 سنة حيث أهان وأذل شعباً محترماً وحوّله إلى شعب فاقد القدرة على الحركة والإبداع. فليبيا طوال فترة حكم القذافي بلد متدهور جداً جداً وفيلم اللجان الشعبية فيلم هزلي جداً، والقذافي مجرم كبير وقلت عنه هذا الكلام في وقت سابق أيضاً، وتقديري أن الشعب الليبي سينتصر.