كثيراً ما تطرقنا في هذه الزاوية إلى ضرورة وجود مشروع وطني ديمقراطي تكون انطلاقته من خلال عملية إصلاح سياسي شامل وجاد؛ باعتبار أن ذلك قضية وطنية ملحة للخروج من أزمتنا السياسية المستمرة منذ أعوام عدة، إذ لا فائدة من الحديث عن خطة تنمية أو إصلاحات اجتماعية واقتصادية في ظل التخلف العام وانتشار الفساد السياسي، حيث إن الإصلاح السياسي يسبق عادة الإصلاحات الأخرى الاجتماعية والاقتصادية والثقافية ويكون نقطة انطلاقها وركيزتها الأساسية.
الآن... ولاسيما بعد المتغيرات الجديدة والنوعية التي ترتبت على ثورتي تونس ومصر والتي ستشمل تداعياتها العديدة ليس فقط المنطقة العربية بل العالم أجمع؛ إذ رأينا تأثيرها محلياً من خلال تراجع الحكومة السريع عن بعض القرارات الخاطئة التي اتخذتها أخيراً مثل طلبها تفسير بعض مواد الدستور، فإننا في حاجة أكثر من ماسة إلى طرح مبادرة وطنية شاملة وجادة تتعدى قضية التراجع عن بعض القرارات الحكومية الخاطئة، على أن تتبنى المبادرة الوطنية أولاً قضية الإصلاح السياسي الشامل لأنها تعتبر حجر الأساس في أي إصلاحات اقتصادية واجتماعية وثقافية جدية طال انتظارها.وفي هذا السياق، اسمحوا لنا أن نعيد جزءاً مما كتبناه بتاريخ 17 أكتوبر 2007 تحت عنوان «الخروج من الأزمة... وجهة نظر»، فلعل ذلك يساهم ولو بالقليل في بلورة المبادرة الوطنية الملحة. لقد شرحنا في ذلك المقال طبيعة أزمتنا السياسية ثم طرحنا سؤالاً مهماً هو ما العمل؟ وكانت إجابتنا عنه هي ما يلي:((قد لا يبدو الأمر هيناً، لكن لحسن الحظ، فإنه تتوافر لدينا مقومات فريدة قد لا توجد في دول كثيرة، من بينها الاستقرار السياسي المستند إلى دستور 1962، والموقع الجغرافي المميز، وارتفاع نسبة التعليم، والثروة المالية الهائلة والشعب الوفي وصغر حجم البلد وقلة عدد السكان. لذا فمن المفترض الاستفادة من هذه الظروف الموضوعية للبدء في تبني رؤية تنموية استراتيجية واضحة الأهداف ومحددة الوسائل ومرتكزة على المشروع الوطني الديمقراطي الذي يستهدف بناء الدولة العصرية على أسس دستورية ديمقراطية، ويضمن تعزيز الوحدة الوطنية البعيدة عن القبلية والطائفية والفئوية، ويهدف إلى بناء دولة عصرية ترتكز على مبادئ المواطنة الدستورية والعدالة الاجتماعية وسيادة القانون وتكافؤ الفرص. مشروع يستنهض الهمم ويستثمر الطاقات المبدعة للشباب الوطني ويركز على كل ما هو إيجابي في المجتمع، ويرفع راية التنوير والنهضة والتقدم، على أن يتم التوافق عليه من قبل القوى السياسية المؤمنة حقاً بنصوص وروح الدستور وبنظام الحكم الديمقراطي الذي تكون السيادة فيه للأمة مصدر السلطات جميعاً. هذا المشروع الوطني هو الذي جعل الكويت، قبل إجهاضه، تسمى درة الخليج.هل هذا ممكن الآن؟... الجواب هو نعم، بشرط توافر إدارة سياسية تعترف بالمشكلة وتحدد أسبابها وتمتلك لحلها رؤية تنموية استراتيجية ذات أفق وطني ديمقراطي تتبناها كفلسفة عامة ونهج متكامل، وتترجمها إلى واقع حياتي ملموس من خلال سياسات وبرامج عامة تعليمية وصحية وغيرها. وغير ذلك، فإننا سنظل ندور في حلقة مفرغة، فما نكاد نخرج من أزمة سياسية حتى ندخل في أخرى ونعود إلى المربع رقم واحد. والمشكلة هنا... أنه ليس هنالك الكثير من الوقت لإضاعته في قضايا هامشية، فالعالم لن يتوقف لانتظارنا، وما هو ممكن اليوم قد يصعب تحقيقه في الغد)).كانت تلك هي وجهة نظرنا لكيفية الخروج من الأزمة السياسية أعدناها مراراً وتكراراً بصيغ مختلفة منذ ذلك الحين بيد أنه لا حياة لمن تنادي، فالأمور مع الأسف الشديد سارت عكس ما كنا نتمناه، إذ طغت الأجندات الخاصة لأطراف نافذة على التطور الوطني الديمقراطي العام. أما الآن ولا سيما بعد ثورتي تونس ومصر وما سيترتب عليهما من تداعيات في المنطقة العربية، بدأنا نرى رياحها تهب بقوة في الاتجاهات كافة بشكل لافت وسريع، فإنه لا وقت لدينا للتأخر في تبني المشروع الوطني الديمقراطي لبناء الدولة الدستورية الحديثة، والذي تتوافر لدينا أطره العامة ومقوماته الموضوعية على العكس من بعض الدول العربية... فهل من مبادر؟ كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة
مقالات
الإصلاح السياسي من جديد
16-02-2011