مهما ارتفعت حدة الخلافات السياسية في المجتمعات الديمقراطية ومهما اعترى ممارسة هذه الخلافات من سلبيات قد يكون بعضها مفتعلاً والآخر مضخماً إعلامياً، فإنها تظل خلافات سياسية طبيعية وصحية تجري عادة ضمن الأطر الدستورية والقانونية ولا تتجاوزها، وهذا هو ما يميز المجتمعات الديمقراطية أو شبه الديمقراطية عن المجتمعات غير الديمقراطية أو الدكتاتورية.

Ad

أما السلبيات والانحرافات والأخطاء الحقيقية التي قد تظهر في أثناء الممارسة الفعلية، وتكون نتيجة للعلل والمشاكل المجتمعية الموجودة على أرض الواقع، فإنه عادة ما يتم تلافيها وحلها من خلال تقنين الممارسة الديمقراطية وتجذيرها وتجديدها، إذ إن النظم الديمقراطية الفاعلة تجدد نفسها بنفسها.

من هنا فإن الصراع السياسي الذي يدور حالياً في الساحة المحلية هو صراع سياسي صحي، ومهما ارتفعت درجة حدته فإنه يعكس حيوية الشعب الكويتي وتمسكه بالدستور، إذ إن الصراع الحالي يتمحور في الأساس حول الدستور والحقوق الدستورية ويجري ضمن إطارهما، فالخلاف الرئيس بين الحكومة ومعارضيها هو خلاف دستوري بحت، حيث ترى كتلة "إلا الدستور" المكونة من الأطياف السياسية كافة ( كتلة العمل الوطني وكتلة التنمية والإصلاح والتكتل الشعبي وبعض المستقلين) أن الحكومة قد تعدت على الدستور مرتين: الأولى، في موضوع رفع الحصانة عن النائب د. فيصل المسلم. والثانية عندما اعتدت الأجهزة الأمنية بالضرب على نواب الأمة في الصليبيخات، وقامت بانتهاك الحريات العامة وحرمات المنازل، ودخول الاجتماعات الخاصة، وقمع المواطنين العزل الأبرياء، وسحل د. عبيد الوسمي، والاعتداء عليه بالضرب المبرح بشكل بشع، وهما المحوران اللذاين وردا  في صحيفة الاستجواب المقدم لسمو رئيس مجلس الوزراء من قبل تكتل "الا الدستور"، بينما تدّعي الحكومة، على الجانب الآخر، أنها كانت ملتزمة بالدستور وكانت تطبق القانون سواء في موضوع رفع الحصانة أو ما جرى في تلك الليلة المشؤومة.

إذن فإن الصراع السياسي الحالي ورغم بعض الملاحظات السلبية التي رافقته هنا وهناك من الأطراف كافة بسبب قلة الوعي السياسي الديمقراطي العام وغياب العمل السياسي المنظم وطغيان الطابع الفردي على الممارسة السياسية، لهو في جوهره ليس صراعاً فئوياً كما يحاول البعض، زوراً وبهتاناً تصويره، إذ إن التقسيمة الفئوية للمجتمع موجودة في كلا الجانبين، كما أنه لا يرتبط بالأشخاص بل إنه وبكل وضوح صراع وطني ديمقراطي من الدرجة الممتازة بين طرفين رئيسين: أحدهما يطالب بالمحافظة على الدستور وعدم تفريغه من محتواه، والآخر، يريد أن يتجاوز مواد الدستور التي تنظم العلاقة بين السلطات وتحفظ حقوق المواطنين ويفرّغها من محتواها الديمقراطي ما سيؤدي إلى جعل الدستور بعد ذلك شكلاً صورياً فارغاً من الداخل.

وفي السياق ذاته فإن التصويت غداً على طلب الحكومة بتحويل جلسة مناقشة الاستجواب إلى جلسة سرية سيوضح مرة أخرى، وبشكل جلي طبيعة الصراع السياسي الحالي بين الفريقين، إذ ستحدد نتيجة التصويت من سيقف مع الدستور الذي يكفل حق الأمة في معرفة الحقائق كافة المتعلقة بإدراة شؤونها العامة ومن سيقف، على الطرف الآخر، ضد الحقوق الدستورية فيصوّت مع سرية الجلسة التي تعني حجب المعلومات عن الأمة ما يعتبر تعدياً على الحقوق الدستورية للمواطنين، إذ إنه لمن حقوقنا الدستورية أن نعرف رد الحكومة وموقفها تجاه كل ما جرى خلال الأسابيع الماضية لاسيما مخالفة المادة (110) من الدستور وأحداث الصليبيخات وما تلاهما من أحداث، فإما نؤيدها وإما نعارضها، إذ لا يمكننا القيام بذلك ما لم نسمع رد سمو رئيس مجلس الوزراء في جلسة علنية، كما هو الأصل في عقد جلسات مجلس الأمة.

فمع أي طرف من أطراف الصراع السياسي الدستوري الحالي سيسجل كل عضو مجلس أمة اسمه في الجلسة التاريخية التي ستعقد غداً في "قاعة عبدالله السالم"؟