الاغلبية الصامتة: البولوبيف... البولوبيف
اليوم ومثل كل «الهبات» الكويتية التي تشغل الناس أياماً ثم تنام نومه أهل الكهف، كل الناس مشغولة بموضوع الأطعمة الفاسدة والجميع يريد تطبيق القانون على من أراد بهم وبعيالهم السوء، والأجمل هو من يصر على كشف أسماء الشركات المتورطة في فضيحة اللحوم والأغذية الملغومة ظناً منه أن ذلك هو الحل الوحيد لهذه القضية. «البولوبيف... البولوبيف... تعال اشتري البولوبيف»... كنا نشاهد هذه الدعاية الإعلانية بأفلام المقاولات ونضحك على هزليتها، وفي مشهد تقليدي يطل علينا أحد تجار عصر الانفتاح- غالباً ما يكون أقرع– بصورة مرتبكة هامساً في أذن حوت أكبر منه قائلاً: «أنا خايف يموت حد ونتفضح»، ويرد الحوت- غالبا ما يكون منتفخ الكرش وبيمينه كأس من الحليب المثلج-: «ما تخفش دي معدتهم بتهضم الزلط»، وهو يقصد أن بطون الناس الغلابة قادرة على هضم اللحوم والأطعمة الفاسدة دون أن تؤثر فيهم، ولأن هذه الفرضية المتجردة من الشعور الإنساني لا تصمد بوجه دفاعات أي كائن حي، تدخل معدة الإنسان في معركة لطرد «الزلط» الفاسد بكل الاتجاهات بدلا من امتصاصه وتوزيع فوائده، ثم نسمع بعدها صوت صفارات الإسعاف وهي تخترق شوارع حواري التجارب البشرية حاملة من سقطوا ضحايا «البولوبيف».
كنا نشاهد ونردد أن ما يحصل في أفلام «الفراخ المضروبة» وعلب الفول «المتيس» لن يحصل في الكويت لأن «ديرتنا فوق النخل» خالية من تجار السموم الغذائية ومحصّنة بعيون محتسب السوق الذي يفتش الذباب والنمل قبل السماح له بدخول أسواق الكويت، كنا نقول هذا ولكن ذلك الزمان انتهى بعد أن عاث تجار آخر زمن بأسعار أهم البضائع التي يحتاجها الناس فساداً إلى أن تشبعوا من أجواء غياب القانون ليقدموا على المرحلة الأصعب على بيع الطعام الفاسد على أنه صالح للاستهلاك الآدمي، هل تصدقون أن بعض العمال الآسيويين في سوق الجملة يفترشون الأرض أمام الملأ ويمسحون رقم الصلاحية المطبوع على الجزء المعدني من العلب ويطبعون رقماً جديداً لمدة عامين زيادة؟ صدقوا واحترسوا. باعتقادي الشخصي هناك أكثر من الثقة الزائدة أو الدوافع المتهورة التي شجعت بعض التجار الذين كشفت أوكارهم، وإلا من يقدم على خطوة بيع الأرز أو «العيش» باللهجة الدارجة منتهي الصلاحية وهو يعلم أن الأرز مكون أساسي ويومي في معظم موائد الكويتيين؟ وهو ما يعني أن الضرر سيقع على نطاق واسع وقبل أن يصرف ربع بضاعته. ولكن من الواضح أن الفساد وصل إلى مراحل متقدمة تمكن فيها من إخضاع القانون وضمائر بعض القائمين عليه، وأعطاهم إجازة مفتوحة براتب عال ومميزات فاخرة.اليوم ومثل كل «الهبات» الكويتية التي تشغل الناس أياماً ثم تنام نومه أهل الكهف، كل الناس مشغولة بموضوع الأطعمة الفاسدة والجميع يريد تطبيق القانون على من أراد بهم وبعيالهم السوء، والأجمل هو من يصر على كشف أسماء الشركات المتورطة في فضيحة اللحوم والأغذية الملغومة ظناً منه أن ذلك هو الحل الوحيد لهذه القضية، عفواً العلة أكبر من ذلك بكثير لأن علاج النهايات يتطلب «تخزيم» البدايات، ونعني بشكل واضح من وافق على دخول شحنة الأطعمة وهي فاقدة للصلاحية، ومن علم بوجود بضاعة مخالفة للشروط الصحية وصمت، ومن تهاون في التفتيش واعتمد على «الكلمة والحلفان»، وهي في عرف الحرامي طوق نجاة. إن فضح الشركات فقط وترك نفس العلل في مكانها لن يحل المشكلة لأن المفسدين سيطورون أنظمتهم الهجومية على بطوننا طالما أن أجهزة الدولة الدفاعية معطلة.الفقرة الأخيرة: الوضع منتهي الصلاحية ألا تشعرون بذلك؟