● بداية نود أن نعرف هل ستتحول جزر المالديف إلى دولة علمانية مع الحكم الحالي بعدما كانت دولة إسلامية خالصة خلال السنوات الماضية؟
ـ المالديف دولة إسلامية، وبها كثير من المؤسسات الدينية، أهمها المجلس الأعلى للشؤون الإسلامية ويتبع رئاسة الجمهورية مباشرة ويهدف إلى تبصير الشعب دينياً وعلمياً بالإسلام، وهو أهم جهة رسمية دينية، ولن نسمح بتحولها إلى دولة علمانية، سنواجه كل المخططات التي تسعى إلى نزع الهوية الإسلامية الكاملة عن جزر المالديف.● هل ستستمر دراسات العلوم الإسلامية في المالديف أم من الممكن أن يكون هناك تغيير جذري فيها في ظل الوضع الحالي؟ـ بالتأكيد لن يتم إلغاء العلوم العربية والإسلامية في المالديف وسنقف ضد هذا الأمر بكل ما أوتينا من قوة، ومن الصعوبة على أي رئيس مهما كانت توجهاته أن يقوم بإلغاء نظام تعليمي كامل ظل موجوداً في البلاد سنوات طويلة، فالمدارس في المالديف تدرس الثقافة الإسلامية كمادة أساسية، وكذلك مادة اللغة العربية، ومن المؤسسات الإسلامية المهمة معهد الدراسات الإسلامية الذي افتتح عام 1979م، وبعد أن توليت منصب رئيس المالديف بسنة أصبح المعهد أكبر مركز للثقافة الإسلامية.● لكن مع الاحترام الكامل لما تقوله وتؤمن به إلا أن الواقع على الأرض مختلف تماماً؟ـ في الحقيقة لا أجد ما أعلق به فدولة المالديف ظلت طوال ثلاثين عاماً مضت عصية على الاختراق الصهيوني ورافضة لكل المغريات المقدمة لها لفتح بعض النوافذ مع تل أبيب، شأنها شأن العديد من الدول الإسلامية، ورغم أنني في الماضي البعيد سُحب مني جواز سفري بسبب موقفي من إسرائيل، وكان ذلك في أواسط الخمسينيات من القرن الماضي إلا أنني لم ألتفت إلى ذلك كثيراً عندما أتيت إلى حكم البلاد، وظللت كما أنا رافضاً إقامة علاقات مع تل أبيب دون أن أرى ميلاد دولة فلسطينية مستقلة عاصمتها القدس الشريف، ولكن يبدو أن الأوضاع في طريقها إلى التغيير داخل جذر المالديف، ونتمنى أن تكون لدينا القدرة على العودة بالبلاد إلى سابق عهدها الإسلامي رغم عدم وجودنا في الحكم، لأن الأمر لم يتوقف عند رغبة النظام الجديد التطبيع الكامل مع إسرائيل، بل امتد إلى شن حملة عاتية على المظاهر الإسلامية تمثلت في تجميد بناء فرع لجامعة الأزهر في العاصمة «ماليه»، والذي كان مقرراً افتتاحه العام الحالي، وتوقف العمل بالعديد من الكليات الإسلامية، بل وأعلن عدد من المقربين من نشيد احتمالات تحويل هذه المقرات إلى كليات مدنية وتخصصات أخرى تحتاج إليها البلاد.● هل سيستمر الوضع بهذه الصورة المظلمة التي تسحب الدولة إلى حافة التغريب الكامل؟ـ بالتأكيد هذا الأمر لن يستمر طويلاً بإذن الله أو هكذا نتمنى، خصوصاً أن هناك حالة غليان داخلي تحيط بالشعب المالديفي المسلم، اعتراضاً على محاولات الحاكم الحالي وصم البلاد بالعلمانية والتغريب، ونتمنى أن يفيق ويعود إلى رشده قبل فوات الأوان، فهو للأسف الشديد أيضاً يسعى إلى نزع المالديف من قلب الأمة، إذ إن نشيد لا يحرص على تقوية علاقات البلاد التقليدية مع الدول الإسلامية والعربية، وعلى صعيدي الشخصي أحاول تعويض هذا الغياب بوجودي المستمر في الداخل الإسلامي والمحافظة على قوة العلاقات مع الدول العربية والإسلامية، باعتبار هذه العلاقات سنداً لاستقرار البلاد، ولكن للأسف الشديد ما يمكنني قوله إن الشعب المسلم في المالديف على أعتاب أزمة كبيرة تتعلق بهويته الإسلامية، حيث تجري محاولات على قدم وساق لتذويبها عبر التنصل من الجذور الإسلامية، وهو ما نقاومه بشدة وندعو الله أن يوفقنا فيه للحفاظ على الهوية الإسلامية للشعب المالديفي.● أنت أستاذ جامعي قبل أن تكون رئيساً للدولة فهل في فترة رئاستك التي استمرت أكثر من ثلاثين عاماً كنت تحرص على التدريس بالجامعة؟ـ أنا أحب السلك الأكاديمي وأحب التدريس في الجامعة، لذلك أمارس هذه الهواية وأحاضر في كلية الدراسات الإسلامية منذ عشر سنوات وأنا آخذ محاضرة واحدة في الأسبوع، ساعة واحدة ليس كثيراً لكني استمتع بإلقاء الدرس وكذلك أيضاً الطلبة يستمتعون بالسماع لدرسي ومحاضرتي، فأنا خريج كلية الشريعة جامعة الأزهر وأخطب خطبة الجمعة في المسجد للمسلمين في المالديف حتى الآن، واعتنيت بالمساجد ودورها حتى أصبح عدد المساجد بالمالديف قرابة 8 آلاف مسجد، والمهم ليس العدد بل دور المسجد، فنحن نركز على دوره كي يؤديه حتى يعرف المجتمع حقيقة الإسلام.● أثناء وجودك في كرسي الرئاسة، كيف كنت تتفاعل مع القضايا العربية والإسلامية؟ـ نحن لسنا عضواً بمجلس الأمن، لقولهم نحن دولة صغيرة، لكننا عضو في الجمعية العامة ولدينا مندوب رسمي ونؤيد جميع القضايا الإسلامية وأهمها قضية فلسطين، ونتفاعل مع القضايا العربية والإسلامية الأخرى كشعب مسلم مهتم بهموم أمته الإسلامية أولاً وأخيراً.● من وجهة نظرك كمفكر إسلامي في المقام الأول ما العوامل التي أدت إلى تشويه صورة الإسلام في الغرب؟ـ هناك عوامل كثيرة منها الإعلام الصهيوني الحاقد وتقصير الإعلام الإسلامي والمسلمين، وخاصة الدعاة الذين أصبح دورهم مقصوراً داخل جدران المساجد، وكذلك بعض الدول الإسلامية التي للأسف لا يهمها تصحيح صورة الإسلام، كما أن المؤتمرات الإسلامية في العالم الإسلامي لها دور في تصحيح صورة الإسلام، ولكن هناك تقصيراً في تنفيذ ما يصدر من هذه المؤتمرات، لذلك يجب على العلماء أولا، ثم القادة والسياسيين ثانياً، تفعيل دور المؤتمرات في العالم الإسلامي.● الأمة الإسلامية تواجهها خلال الفترة الأخيرة العديد من التحديات على جميع الصعد، فكيف تنظر إلى هذه التحديات وكيف يمكن مواجهتها؟- هناك تحديات تواجهنا بسبب مختلف التيارات السياسية وهناك انقلابات تحتم علينا نحن المسلمين إعادة النظر في طرق علاجنا للأحداث للمحافظة على تراثنا الإسلامي والحضاري، وفكرنا المستقل حتى نستطيع المضي قدماً في تحقيق آمال شعوبنا لمزيد من التقدم، وهناك مسلمون لا يقبلون التحولات الفكرية التي تحدث في العالم نتيجة للتقدم التكنولوجي غير المسبوق والنزاعات السياسية والثقافات المختلفة، ومنهم من يشوه صورة الإسلام من جراء ضيق الأفق والتعصب، وهؤلاء الناس في أشد الحاجة إلى من يأخذ بيدهم ويرشدهم للطريق السليم، لأن جيل التعصب الموجود في ربوع الأمة خلال الفترة الحالية أشد خطراً عليها وعلى الإسلام من أعدائها أنفسهم.● إذا كان هو الحال فكيف نعيد هؤلاء المتطرفين إلى صحيح الدين وجوهره؟- نحن في حاجة إلى أن نعيد من خرجوا عن الخط إلى الصواب وإلى منهج الوسطية، ولابد من العمل الدؤوب لإعادة الجماعات المتطرفة إلى حوزة الإسلام وإقامة الإخاء بين المسلمين لنعيد تشكيل العالم الإسلامي كما يجب أن يكون، وهناك جامعات ومؤسسات تعليمية كثيرة في العالم الإسلامي تخرج كل عام عدداً كبيراً من المسلمين، وتؤدي الرسالة الإسلامية الصحيحة دون تطرف وهي ميزة أيدها الله، مثل الأزهر الذي ينتشر علماؤه في أرجاء المعمورة يؤدون رسالته ويسلكون مسلكاً وسطياً.● لكن برأيك كيف يمكن تصحيح صورة الإسلام داخلياً وخارجياً؟- تصحيح الصورة المشوهة للإسلام يبدأ من الرد على الشبهات التي تثار حوله ورسالته وصاحبها (صلى الله عليه وسلم)، فعلينا أن نتخذ مسارات مختلفة للوصول إلى ذلك، ومن تلك المسارات إيجاد حلول عملية للنزاعات الإسلامية الداخلية، ومما لا شك فيه أن النزاع المزمن بين الفرق والمذاهب الإسلامية وبين الدول الإسلامية قد أدى إلى تشويه صورة الإسلام والمسلمين في العالم، ومما يؤسف له أن كثيراً ممن ينتمون إلى الأمة الإسلامية لا يتعلمون من الماضي وتجاربه القاسية والمريرة ولايزال يكفر بعضهم البعض ويحارب بعضهم البعض بالكلمة والسيف والقنبلة، وإذا أردنا أن نصحح النظرة المشوهة للإسلام فلابد من تسوية هذه النزاعات الإسلامية بين الفرق والدول الإسلامية، ولابد من توحيد الصف الإسلامي سياسياً لكي نعطي للعالم قولاً وفعلاً صورة مشرقة للإسلام والمسلمين، فالإسلام يدعو المسلمين إلى الترابط والتآلف والتراحم والتكاتف في ما بينهم حتى تكون للأمة الإسلامية مهابة وعزة وكرامة أمام غيرها من الأمم، فهناك آيات قرآنية وأحاديث نبوية كثيرة تدعو إلى ترابط الأمة ووحدتها وتآلفها وتراحمها وتكاتفها، وإبراز الصورة المشرقة الحقيقية للإسلام وقيمه ومبادئه وأخلاقياته، بإبراز أن الإسلام هو دين الرحمة والسماحة واليسر، ويدعو إلى العدل والسلام ويصون حرية الفرد وكرامته بغض النظر عن عقيدته ولونه وقومه، وهذه ليست مجرد شعارات يرفعها الإسلام وإنما هي مبادئ أساسية راسخة قام عليها بنيان الإسلام، وقد جعل العدالة قوام الدولة وأساسها المتين، وأمر بإقامة العدل بين الناس أجمعين دون تفريق بين رجل وامرأة وبين مسلم وذمي وبين أبيض وأسود يقول الله سبحانه وتعالى «يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ كُونُواْ قَوَّامِينَ لِلَّهِ شُهَدَاء بِالْقِسْطِ وَلاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شَنَآنُ قَوْمٍ عَلَى أَلاَّ تَعْدِلُواْ اعْدِلُواْ هُوَ أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَاتَّقُواْ اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ» المائدة 8، ولقد سجل التاريخ الإسلامي بحروف من ذهب قول النبي (صلى الله عليه وسلم) «إنما أهلك الذين قبلكم أنهم كانوا إذا سرق فيهم الشريف تركوه وإذا سرق فيهم الضعيف أقاموا عليه الحد وأيم الله لو أن فاطمة بنت محمد سرقت لقطعت يدها»، فإن العدالة أساسها المساواة بين الناس في الحقوق والواجبات، والمساواة أمام القانون، والمساواة في المسؤولية المدنية والجنائية وفي استحقاق الجزاء الحسن على فعل الخير والعقوبة على فعل الشر دون أي تفرقة على أساس اللون والجنس والدين.
توابل - دين ودنيا
رئيس جزر المالديف السابق د. مأمون عبدالقيوم: الحاكم الحالي يسعى إلى نزع دولتنا من قلب الأمة الإسلامية
09-09-2010