بدأ الباحث في التراث الكويتي صالح المذن باحتراف هذه المهنة في السبعينيات، وذلك لشغفه بالتراث الكويتي وشدة حبه له، فهو من معاصري المعمار الكويتي القديم، يعشق المذن الأبواب والشبابيك الكويتية القديمة، خصوصاً أنه يجيد حرفة النجارة لذلك حرص على تطويعها من حرفة معاصرة إلى تراثية، ومن الأشياء التي يحرص على تصنيعها الأبواب و"الدرايش" و"اللواوين" بأنواعها والبيوت الكويتية القديمة بشكل عام، ويرجع حرصه على التمسك بهذه الحرفة إلى الخوف عليها من الاندثار، خصوصاً بعد أن قامت الحكومة بهدم معظم المنازل التي تحمل الطراز القديم، إضافة إلى حرصه على تعليم غيره من أبناء الكويت كي لا تندثر هذه الحرفة مع الزمن، فقد تتلمذ المذن على يد أمهر البنّائين وتعلم أساسيات بناء المنازل القديمة، إضافة إلى نوعية المواد المستخدمة وأماكن توفرها وما إلى ذلك. مؤكداً أن هناك إقبالا كبيرا من قبل بعض العوائل على تصميم جزء من منازلهم بالطراز الكويتي القديم سواء "دواوين" أو "سراديب"، وكذلك بعض المحلات التجارية، والمطاعم، بالإضافة إلى كثير من المتاحف التراثية الخاصة، مؤكداً أن تشجيع الناس والمهتمين بهذا الفن أجبره على مواصلة مشواره إلى يومنا هذا.

Ad

البيوت القديمة

وعن أقسام البيت الكويتي القديم أوضح المذن أنه يبدأ "بالدهليز" وصولاً إلى "الحوش" المبلط بـ"الآجر" والمصنوع من الطين المحروق، إذ يمتاز بالبرودة في حال رشه بالماء، وفي الحوش يوجد "الليوان" الذي بدوره يمتاز بأعمدة مرتفعة ذات نقوش فاخرة مصنوعة من خشب الصاج والخشب الباسجيل والجندل كي يستظل به أهل البيت من أشعة الشمس والأمطار، وفي الليوان توضع "البرمه" المستخدمة في حفظ مياه الشرب باردة إلى "مده سفح" المصنوعة من الحصير و"الدوه" وهي عبارة عن منقلة يوضع فوقها الشاي والقهوة، إضافة إلى استخدامها في التدفئة في فصل الشتاء، وكذلك "العريش" المصنوع من السعف، وهو يستخدم للغرض نفسه، وهو الحماية من الأمطار وأشعة الشمس، إضافة إلى "البرجه" المصنوعة من الأسمنت والمسؤولة عن تجميع مياه الأمطار عبر "المرازيب" الموجودة فوق الأسطح، وكذلك "الجليب" المصنوع من حفرة كبيرة مسورة بقطع "الطابوق" وتمتاز مياه الجليب بالملوحة، ويسمى بماء "خريج" إضافة إلى "التنور" المصنوع من الفخار المستخدم في إعداد الخبز وشي الأسماك، وكذلك "دار العرفج" التي كانت تستخدم في الطهي كذلك عن طريق حرق نبات العرفج في داخلها لتنبعث منها النيران، وذلك لاستخدامها في عملية الطهي. كما يتكون المنزل الكويتي القديم بحسب ما جاء به المذن من "دور" وهي الغرف، وتطل هذه الغرف على الحوش، وتحتوي في داخلها على شبابيك و"رواشن" وهي عبارة عن فتحات غير نافذة في الجدار تستخدم في حفظ الحاجيات بداخلها. كما تتكون الغرف من "سرير بلنك"، ويؤكد المذن أنه من النادر استخدامه نظراً لغلاء ثمنه، ومن الجدير ذكره أن غرف المنازل القديمة تمتاز بارتفاع أسقفها وسماكة جدرانها وذلك للتخفيف من حرارة الصيف.

الأبواب القديمة

وفي ما يخص الأبواب القديمة أشار المذن إلى باب "بو خوخة"  وهو يعد الباب الأشهر في الكويت، وكان يوضع على واجهة بيوت الميسورين في ذلك الحين، ويمتاز هذا الباب بأنه باب كبير في جوفه باب صغير للاستخدام اليومي، أما الباب الكبير فيفتح إذا أراد أهل البيت إدخال الحاجيات والمؤن، وينقسم باب  "بو خوخة" إلى أنواع منها باب "بوخوخة وحدة" في الوسط  وباب "بو خوختين"، ويذكر المذن أن هذا الباب موجود من قديم الزمان، وتغنى به الشعراء في الجاهلية، إضافة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم ذكره في حديثه قائلاً: "أغلقوا جميع أبواب المسجد إلا خوخة أبي بكر"، ومن أنواع الأبواب كذلك باب "بو تواليت" وسمي بذلك لأنه يشبه تسريحة الشعر المشهورة باسم "قصة تواليت" في ذلك الحين وعادةً ما يصنع هذا الباب من الخشب الصاج أو "الفيني" الأحمر، وما يميز هذا الباب نقشة في النصف تسمى بـ"الخشم"، وكان يستخدم في البيوت والمساجد والدوائر الحكومية، وهناك ما يسمى بالباب "المسماري" ويتكون من "درفتين" ومجموعة من المسامير "المقببه" المصنوعة من النحاس، مشيراً إلى أن "الدقة" الكويتية الخاصة بالباب المسماري مكونة من خمس صفات إضافة إلى مقبض الباب المصنوع من النحاس و"المطقة" التي تستخدم في طرق الباب وتصنع هذه القطعة من الحديد، وتشتهر بشكل كف اليد أو الشكل الدائري، ومن أنواع الأبواب المشهورة في ذلك الوقت "باب بورمانه"، الذي يستخدم داخل البيوت إضافة إلى "الباب المقطع" وهو عبارة عن قطع خشبية مقطعة إلى مربعات أو مستطيلات، ويستخدم هذا النوع في البيوت في الحمامات والمسابح والمطابخ. وهناك أنواع كثيرة مستحدثة وهو "باب مقطع" مضاف إليه "جام"، وسمي هذا الباب بـ"باب بوردة" نظراً للنقوش المحفورة على قطع الزجاج، مما يسمح بدخول النور إلى الحمامات والمسابح.

الأخشاب وأنواعها

وعن الأخشاب المستخدمة في صناعة الأبواب يوضح الباحث في التراث الكويتي صالح المذن أنها تجلب من الهند عن طريق البحر بكميات كبيرة، إذ يقوم البحارة بإنزالها إلى الشاطئ مقابل "العماير" وهي سوق تباع فيها الأخشاب ومواد البناء، ومن ثم تشرح قطع الأخشاب في الكويت عن طريق تقطيعها بشكل طولي، وفي موسم البوارح تجف هذه القطع، ومن ثم تبدأ عملية النجارة بعد أن تجف قطع الخشب تماماً، ومن الأخشاب المستخدمة محلياً خشب الصاج و"الفيني" و"الفنص" و"السكتلي" وهو يمتاز باللون الأحمر، و"الزان" و"السيسم" الذي يُستخدم في صناعة الصناديق والخزائن، وخشب "الهمبه" وهو خشب المانجا ويستخدم في صنع سفن "الهواري" و"الجنغلي" وهو موجود في غابات إفريقيا، وغيرها العديد من الأخشاب المستوردة من النيبار والهند وإفريقيا.

الجندل والبواري

"الجندل" عبارة عن أشجار المنقروف الموجودة على ضفاف نهر "الرفيجي" بين "سمبرنقة" و"لاموه" التابعة لتنزانيا في إفريقيا، وهي عادة ما تكون مستقيمة الشكل بأطوال تتراوح بين ثلاثة وخمسة أمتار وتمتاز بالصلابة، لذلك تم اختيار هذا النوع من الخشب لبناء الأسقف لقدرته على تحمل الثقل، وقد أشار الباحث في التراث صالح المذن إلى أن البحارة الكويتيين كانوا يدخلون هذا النهر لشراء وتحميل الجندل بأنفسهم، إذ يجدونه جاهزاً ومعروضاً للبيع بعد تقطيعه على ضفة النهر.

"البواري" أو "المنقور" مواد مستخدمة في البناء قديماً، وهي عبارة عن نبات القصب ينبت في "الاهوار" بالعراق أي في المياه الحلوة، وطولها يتراوح بين مترين وثلاثة أمتار، وتدق وتشرح بالمنجل إلى أربعة أجزاء ثم تنسج وهي رطبة ليسهل تشكيلها، وتصنع على شكل حصير بأحجام مختلفة، ومن ثم تجف ويصبح لونها أصفر لتكون جاهزة للاستخدام.

سوق البـيـبان

البيبان هي الابواب الخشبية المستخدمة في البيوت الكويتية القديمة، وكان لها في الماضي سوق يقع بداخل مدينة الكويت بالقرب من سوق الشعير، والمحلات التي بهذا السوق ليست كثيرة وقد تخصصت في بيع الابواب الخارجية للبيوت، واختلفت اشكال الابواب فكان هناك باب ما يسمى "ابو صفاقة" اي ان هذا الباب له فتحة واحدة للدخول وباب "ابو صفاقتين" ذو بابين للدخول وعادة تفتح فتحة واحدة في الدخول والخروج اليومي، لقد تعددت اشكال الابواب الخشبية وتفنتت ايادي النجارين في ادخال الزخارف الهندسية الجميلة عليها، كما كانت هذه الابواب بغالبيتها مرصعة بمسامير بارزة لونها اسود وقد رصت بأشكال هندسية جميلة، كما كان هذا السوق لا يخلو كذلك من الابواب الصغيرة "بيبان الدور" وهي خاصة للحجر فتكون اصغر حجما واخف صنعا من الابواب الخارجية.

الحنين للماضي ادى الى تهافت كثير من الناس لصناعة ابواب خشبية لبيوتهم تشبه ابواب البيوت في الماضي ولكنها من اياد غير كويتية على خلاف صناعها في كويت الامس.

مواد البناء قديماً

تميزت البيوت قديما بأن معظم مواد بنائها مستمد من الطبيعة، سواء كان ذلك من البر أو من البحر عدا بعض الأشياء الأخرى كالخشب الذي يستورد من الخارج ومنه "الجندل" و"الباسجيل" اللذان يستخدمان لتسقيف "الدور" وأنواع الخشب التي تستخدم لنجارة الابواب والشبابيك التي تزخرف بأشكال هندسية جميلة جدا بأيد كويتية ماهرة، اما البناءون فهم محليون من سكان الكويت، توارثوا هذه المهنة ابا عن جد، وكانت هناك مدارس تخرج فيها البناءون وليس القصد هنا المدارس بمفهومها في الوقت الحاضر بل ان هناك شخصا يتدرب ويتخرج من تحت يده هؤلاء، منها مدرسة الفرحان لصاحبها المرحوم عبدالله الفرحان، وخرجت ابنه عبدالله، بالاضافة الى عبدالعزيز العيسى وصالح وفايز الذربان، كما ان هناك مدرسة ابناء البحر وابناء عبدالسلام ومدرسة راشد الرباح والتي تخرج فيها خلفه وعبدالله وفهد الرباح ولا ننسى اشهر الاساتذة المشهورين ومنهم عبدالعزيز المقهوي وعبدالمحسن التركي.ومن مواد البناء قديماً - اللبن: هو بمنزلة الطابوق الأسمنتي في الوقت الحاضر ويستخدم لبناء الجدار وتجلب مادة "اللبن" التي هي من الطين من عدة اماكن متفرقة من الكويت التي من اهمها الشامية، فيكون الطين ويخلط بالماء ويسمى ذلك "بالغيلة" ويضاف اليه نسبة "التبن" الذي يستخلص من مخلفات قشور القمح والشعير، وبذلك تكون "اللبنة" قوية ومتماسكة، ومن ثم توضع في القالب حتى يجف وتصبح على شكل طابوقة جاهزة للبناء.

- الصخر: يستخدم الصخر في بناء اساس الجدران في الغالب وذلك نظرا الى تكلفة نقله وتهذيبه، ولكن البعض يستخدمه ايضا للجدار نفسه، فيصبح قويا متماسكا يجلب الصخر من منطقة "عشيرج" او اي من المناطق الاخرى البحرية ويكون متناثراً على الشاطئ او يقلع من القلع.

- الرماد: هو الناتج عن مخلفات الاحتراق التي تستخدم في الطهي في ذلك الوقت، ويستخدم بعد خلطه مع الماء وتسويته على سطح البيت كمادة عازلة لمنع تسرب ماء المطر من اسقف الدور.

- التبن: يستخلص من القشور والمخلفات الناتجة من القمح والشعير فيخلط مع "اللبن" لزيادة قوة تماسكه وصلابته.

- الجص: هو ما يعرف حاليا بالجبس، ويكون لونه ابيض مائلا الى الصفرة، يستخدم لعملية مساح "الدور" بعد خلطه بالماء وعجنه لزيادة تماسكه، ان مادة "الجص" متوافرة في الكويت وتجلب من عدة اماكن متفرقة بالأخص المنطقة المحصورة ما بين دروازة الشامية وامتداد السور الى دروازة البريعصي.

- الحشري: هي قطع صغيرة من الصخور المنتشرة على سواحل البحر يستخدمها البعض بفرشها على ارضية فناء البيت "الحوش" وايضا لحجر "الدور" وذلك لقوة تماسك الأرضية.

- الحُصْحص: هو نوع معين من انواع الطين يكون لونه في الغالب مائلا الى الصفرة الباهتة ويسمى "طينا ابيض" يستخرج من باطن الارض ويستخدم لدفن ارضية فناء البيت "الحوش" وكذلك الحجر "الدور" ويوضع فوق الحشري الجندل.

ريوق البناني

جرت العادة قديماً بأن يقوم أصاحب البيوت المراد بناؤها بتقديم وجبة الإفطار للبنائين في الصباح الباكر تعرف «بريوق البناني» ويشمل افطارهم على وجبة متواضعة من الخبز والشاي، اما اذا كان صاحب البيت من اصحاب العوائل الكبيرة والمقتدرة فيضيف الحليب والتمر و«الباجلا» كما ان هناك وجبة اخرى متواضعة تقدم للبنائين «البناني» وقت الظهر تعرف بـ «غداء البناني» وسبب تقديم هاتين الوجبتين ان «البناني» عملهم مستمر طوال اليوم منذ الصباح الباكر وحتى قبيل غروب الشمس «المسيان» إذ يستلم هؤلاء اجورهم «الكروة» يوميا. هذا وقد اعتبر تقديم هاتين الوجبتين نوعاً  من اكرام وارضاء «البناني» لاجادة بناء البيت وهندسته.