ثلاثة أحداث وقعت في الأيام القليلة الماضية: الاحتقان الطائفي في الكويت بين السنة والشيعة، والاحتقان الطائفي في مصر بين المسلمين والمسيحيين، وإحباط محاولات لتفجيرات إرهابية في أوروبا، كلها أحداث تدل على أن الفكر القطبي (نسبة إلى سيد قطب منظر جماعة الإخوان المسلمين) لا يزال مسيطراً في مجتمعاتنا... ولعلي أتفق مع ما قاله الأستاذ محمد آل الشيخ إن «القطبيين هم أصل البلاء»... ففكر سيد قطب هو الفكر الذي انبثقت منه الجماعات المتشددة والإرهابية... تلك العقول المفخخة هي ثمرة البذرة التي زرعها سيد قطب في كتابه «معالم على الطريق»، حين أسس لفكرة «الحاكمية لله» التي أصبحت النقطة المركزية في الحكم على صلاح أو فساد إسلام المسلمين... ليتحول المفهوم الإسلامي اليوم من دين إلى تحزيب سياسي... ويبدأ التكفير يشمل الجميع بلا استثناء ما عدا مَن يؤمن بفكرهم... فالمجتمعات المعاصرة كلها في نظر القطبيين مجتمعات جاهلية يجب هدمها لتُبنى على أنقاضها الدولة الإسلامية على طريقتهم الخاصة، إذ لا يوجد إلا حزب مسلم واحد يؤمن بالحاكمية، والحزب الآخر هو حزب الكفر، مستمدين مفهوم «الحاكمية لله» (وهو قول حق يُراد به باطل، كما قال علي بن أبي طالب رضي الله عنه) من الآية الكريمة «وَمَن لَمْ يَحْكُم بِمَا أَنزَلَ اللّهُ فَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْكَافِرُونَ»، ليوظف الحزبيون الإسلاميون هذه الآية لمصالحهم السياسية، غير مكترثين بتفسير معظم مفسري القرآن الثقات مثل القرطبي والسيوطي والزمخشري وغيرهم الذين يجمعون على أن هذه الآية الكريمة نزلت في أهل الكتاب لأسباب ظرفية، بخصوص «دية القتيل لديهم وانحرافهم عما استقر عليه الحكم في شرعهم»، وأنهم هم وحدهم المعنيون بهذه الآية لا المسلمون.

Ad

لقد تحول هذا المفهوم إلى حقيقة ثابتة ومسلَّمة قاطعة في منظومتهم الفكرية يفرضونها على كل مَن يختلف معهم سواء الأقليات في بلدانهم، غير عابئين بضرورة حماية حقوق الأقليات في النظام الديمقراطي، أو في البلاد الغربية التي يلجأ إليها المتطرفون، والتي تمنحهم مساحات واسعة من الحريات، ليكفروا مجتمعاتها التي يعتاشون فيها على ضرائب مواطنيها، ومن ثم يسمون تلك المجتمعات «الجاهلية»! متناسين قوله تعالى لنبيه الكريم «ولو شاء ربك لآمن من في الأرض كلهم جميعاً أفأنت تكره الناس حتى يكونوا مؤمنين».

يتبرأ اليوم الإخوان المسلمون والإسلام السياسي الذي انبثق من فكرهم من سياسة العنف، ويدّعون أنهم معتدلون وديمقراطيون، ولكنهم لا يتجرأون على التبرؤ من أفكار سيد قطب التكفيرية التي لا تؤمن بالمواطنة. تلك هي الرؤية الراديكالية التي أسست للإسلام السياسي الراهن منذ نصف قرن، فصادر الإسلام وعمل على تشويه صورته وإفراغه من الروح والجوهر، ليقضي على الفكر الإسلامي التنويري ويصيبه في مقتل، لاسيما حين تحالفت الحكومة معه في إحكام إغلاق المجتمع ومحاربة الحريات غير واعية بدروس التاريخ وعبره.

لقد همّشت ثورة 52 في مصر دور الثقافة في تطوير المجتمع فحاربت المثقفين التنويريين، كما عذّب نظام عبدالناصر الإخوان المسلمين وسجنهم، وأعدم سيد قطب، فأدى ذلك الاضطهاد إلى التعاطف معهم وازدياد أعداد مريدي قطب وأتباعه، ليفرج عنهم السادات ويفتح لهم كل الأبواب التي كانت مغلقة، فأصبحوا يجولون وحدهم في الساحة ويصولون، بينما يُهمَّش المثقفون ويُحارَبون... ولينقلب بعد ذلك السحر على الساحر، فيُغتال السادات على يد إحدى الجماعات التي خرجت من عباءة الإخوان وترعرعت في بيئة هذا الفكر المنغلق، الذي حذَّر منه طه حسين حين قال إن القوانين المتشددة «لا تحمي الفضيلة وإنما تحمي الرذيلة».

***

نعقد آمالاً كبيرة على المجموعة الجميلة والنشيطة للمكتب التنفيذي وأمين عام التحالف الوطني الديمقراطي الجدد، وكلنا ثقة بأنهم على قدر المسؤولية الكبيرة الملقاة على عاتقهم في الدفاع عن القيم التي قام من أجلها «التحالف»، وتفعيل أهدافه العامة وهي: توحيد العمل الوطني الديمقراطي، وحماية المكتسبات الدستورية والدفاع عنها وتفعيل أدواتها، والدفاع عن الحريات العامة، وحماية حقوق الأفراد والمجتمع، وإشاعة مبادئ الوحدة الوطنية، ونبذ الفرقة والتمييز، والتصدي للطروحات المغالية، ودعم الجهود الإصلاحية والبرامج والمشاريع التنموية الرامية إلى تطوير المجتمع وتقدمه.