رغم أنني لست من دعاة المواجهة المفتوحة مع الحكم في إيران، وتصعيد حالة التوتر السياسي مع طهران لظروف مختلفة منها حالة التحول في أوضاع العالم العربي والارتباك الذي نتج عنها، بالإضافة إلى وجود رئيس في البيت الأبيض من الحزب الديمقراطي، متردد وغير جدي في مواجهة التحديات الخارجية، ويحمل أفكار حركات «الهيبز» التي انتشرت في ستينيات القرن الماضي للسلام والمحبة والعزلة!... ولرغبة الكويتيين كذلك في علاقات صداقة وتعاون مع إيران.
أقول رغم كل ذلك فإن بعض الوقائع يجب أن تمحص وتحلل، ومنها التصعيد العراقي تجاه الكويت لبنائها ميناء مبارك الكبير في جزيرة بوبيان الكويتية الذي تفجر دون مقدمات، وإثر توتر العلاقات الكويتية-الإيرانية بسبب شبكة التجسس التي كشفت في البلاد وكانت على صلة مع حرس الثورة الإيراني، بما يوحي بوجود أياد إيرانية تحرك الاحتجاجات العراقية المفاجئة لأغراض ممارسة الضغط على الكويت، وخصوصاً إذا علمنا أن الميناء بوشر في إجراءات تنفيذه منذ عام 2005 دون أي اعتراضات من الجانب العراقي.الغريب في الاحتجاجات العراقية المفاجئة أنها لا تستند إلى أي تفاصيل فنية أو دراسات، بل إلى كلام مرسل بأن ميناء مبارك الكبير سيضيق الممرات المائية التي تؤدي إلى الموانئ العراقية، وهو كلام خاطئ هندسياً وفق ما يشير به خبراء، إذ يقولون إن الأعمال الهندسية لميناء مبارك ستوسع وتعمق هذه الممرات، وإن بعض الساسة العراقيين يثيرون هذه القضية لأسباب سياسية ولارتباطات وثيقة لغالبيتهم مع طهران، وفي المقابل فإن غالبية القادة العراقيين لا يجرأون على إثارة الموضوع الأهم الذي سيقضي على مصدر حياة ملايين العراقيين وتحويل أراضيهم الزراعية الخصبة الى أراض ملحية ميتة، وهو تحويل إيران 35 رافداً مائياً عن شط العرب إضافة إلى مشاريع متعددة على نهر كارون، لتحويل كل مياهه إلى داخل الأراضي الإيرانية أنجزت تقريباً، وأدت إلى حالة موت تدريجي لمدينة الفاو العراقية وفقدان إنتاج مليون و400 ألف نخلة وأراضي زراعة محاصيل وفواكه مختلفة، كما تزحف هذه الحالة على أراضي البصرة وكل إقليم شط العرب. ومما يؤكد هذه الحالة ما ذكره مدير دائرة الموارد المائية في محافظة البصرة علاء طاهر في تصريح لجريدة «الصباح» العراقية إذ قال: «إن مياه البزل، وهي مياه مالحة، تنحدر من المزارع الإيرانية باتجاه مناطق حدودية عراقية، وإن هذه المياه تهدد سلامة الأراضي العراقية في الجهة المقابلة في حال ارتفاع المنسوب بدرجة أعلى، وأود أن أذكر هنا ملاحظة شخصية تتبعتها بنفسي، هي أن بعض مياه البزل هذه شديدة الملوحة وهي تتجمع من مزارع قصب السكر بكثافة عالية في مواسم محددة وتوجه عمداً نحو الأراضي العراقية ولا تنساب من مرتفع أو تل أو هضبة كما يتصور البعض»، من جهته كذلك طالب مسؤول بارز في محافظة البصرة، الحكومة العراقية بمقاضاة الجانب الإيراني دولياً، بسبب «تعمده» توجيه مياهه الملوثة وبكميات كبيرة نحو الأراضي العراقية بالإضافة إلى تحويل مياه نهر كارون إلى داخل الأراضي الإيرانية وحرمان العراق من نصيبه التاريخي منها.وهنا نسأل الإخوة العراقيين عن جدوى افتعال قضية ميناء مبارك الكبير مع الكويت التي يعلمون جيداً أنها مفتعلة ولأهداف تتجاوز العراقيين لمصلحة غيرهم والتصعيد حتى تم تشكيل لجنة من وزارة الخارجية العراقية لبحثها مع الأمم المتحدة، وهم يعلمون أن ميناء مبارك هو حق سيادي للكويت سيعود بالنفع على الشعبين الشقيقين، بينما القضايا الأكبر التي تهم قوت وحياة وحضارة الشعب العراقي يتم تركها حتى تكتمل نتائجها الكارثية وتتصحر أراضي العراق الخصبة التي بنت تراثه وحضارته على مدى آلاف السنين من دون أن تشكل الخارجية العراقية حتى فريقاً من شخصين لمتابعته.كما نقول للأصدقاء الإيرانيين إن لعبة المحاور والمناكفات وإشعال المواجهات الجانبية للضغط لن تجدي نفعاً وستستنزف دول المنطقة في قضايا فرعية، بينما يمكننا أن نوجه كل الجهود والطاقات إلى البناء والتعاون لمصلحة رفاهية واستقرار شعوب المنطقة كافة.وكلمة أخيرة لأهلنا في الكويت مفادها أن بعض من يعطل مشاريع الدولة في بوبيان وجسر جابر لتصفية خلافات شخصية يجني على وطنه ويعبث في الأمن الوطني الكويتي ويؤخر تثبيت حقوقنا المشروعة في كل أراضينا التي ثبتتها القرارات الدولية وهو ما يرقى إلى مرتبة الخيانة الوطنية العظمى.
مقالات
ميناء مبارك أم تحويل نهر كارون؟!
22-05-2011