لا أحد ينكر أن أغلب الإعلاميين العرب قد تتلمذوا على أيدي فطاحل ورموز الإعلام المصري منذ سنوات طويلة جدا، مثلما تتلمذ آخرون على أيدي أساتذة مصريين في القانون والأدب والفنون والرياضيات وغيرها من المعارف، لكنني فوجئت مثلما فوجئ غيري بهذه السقطة التي لا تحمد عقباها لذلك العملاق «الإعلام المصري»، عندما أخذ ينهال علينا باللقاءات عبر برامجه التلفزيونية واحداً تلو الآخر مع من ساهم وشارك في مقتل شخص؛ حتى إن كان هناك من يختلف معه، وأقصد هنا الرئيس الراحل أنور السادات، طالعتنا القنوات المصرية باحتفالها الجم بلحظة خروج عبود الزمر من سجنه، وبذلك الاستقبال الكبير له عند بوابة السجن، وكأنه كان بطلا وليس قاتلا بكل ما تحمل الكلمة من معان.

Ad

وهنا قلنا لابأس! فهذه هي أحد مكاسب ثورة شباب 25 يناير الأبطال الذين لقنوا الأجيال التي سبقتهم من آباء وأجداد درسا لا يمكن أن ننساه، لشجاعتهم وقوة إرادتهم، وعزيمتهم على الثبات على الموقف وعدم القبول بالقليل، لكن استمر الإعلام المصري بإجراء اللقاءات التلفزيونية والصحافية للزمر، وأصبح مقررا على المشاهدين بشكل شبه يومي، وما زاد الطين بلة هو تلك التصريحات التي كان يطلقها؛ مستغلا تلك الأجهزة الإعلامية لتمرير رسائل فكره المظلم إلى مريديه إن كان له مريدون، فتارة يطالب بدولة إسلامية ودفع الجزية لمن هم ليسوا بمسلمين، وتارة أخرى يؤكد أنه لو تكرر الموقف لقتل السادات لقتله، وغيرها من التصريحات النارية التي تثير الفتنة والمشاكل، ومصر المحروسة في غنى عن كل ذلك.

ربما هناك من يقول إن هذه هي الديمقراطية وإلا لماذا طالبنا بها؟! هذا صحيح، ونحن جميعا نقف وقفة إجلال وإكبار لشباب 25 يناير وللشعب المصري على ثورتهم الشعبية المتحضرة ذات الطابع الراقي جدا والفريد من نوعه في مجتمعاتنا العربية، والتي تحدث عنها العالم بأسره ولايزال يتحدث من شدة انبهاره بما حدث في ميدان التحرير وسط قاهرة المعز، ولكن عتبي هنا على الإعلام المصري العملاق الذي يجب ألا ينزلق إلى مثل هذه الأمور، وأن يضع نصب عينيه أولا مصر، ومن ثم تبعات ما سيحدث فيها. لو أن شخصا على شاكلة الزمر وأتباعه يقفز إلى مقاعد الحكومة- لا سمح الله- بتلك العقلية التي خرج لنا بها في حواراته ولقاءاته، فماذا سيحدث في بقية الدول العربية من انعكاسات خطيرة، فكلنا يعلم «لو عطست مصر لمرض العالم العربي بأسره»، وخير مثال على ذلك ما يحدث الآن في عدد من الدول العربية بعد ثورة مصر.

لذا أسأل الله أن يحفظ مصر وشعبها، ويحفظنا ويقينا من رياح الرجوع إلى «السلف» الخلف في عصر النهضة والتطور التكنولوجي.