عبودية لا فرار منها

نشر في 06-09-2010
آخر تحديث 06-09-2010 | 00:01
 فوزية شويش السالم هذا هو أول رمضان أصومه خارج الوطن من بعد آخر مرة صمتها خارجه، كانت في أواخر الثمانينيات من القرن الماضي حيث حل الشهر الفضيل في العطلة الصيفية لمدارس أولادي، وهذه المرة أيضاً حلّ رمضان في الصيف الذي قررت فيه أن أصوم خارج الكويت هروباً من عبودية مشاهدة المسلسلات التي ما ان تبدأ في متابعة حلقاتها الأولى حتى تقع في براثن مصيدتها، وبالتالي ينقلب الليل إلى نهار، والنهار يتحول إلى ليل أو يصبح جزء كبير منه يقع ضمن منطقة النوم.

وهذا الانقلاب يشمل كل شيء، من العادات اليومية إلى الأسرية والاجتماعية، وبعض من هذه التحولات جيد، والبعض الآخر متعب، ومن هذه العادات المتعبة، إدمان مشاهدة برامج التلفزيون، خصوصاً المسلسلات الدرامية التي تتسابق على اصطياد فريستها وعلى حبسها ضمن عبودية المتابعة.

ومع فراري هذا لم أستطع الانفلات من قبضتها حيث طاردتني إلى الفندق الذي وجدت فيه خمس محطات فضائية عربية استطاعت لي ذراع قراري وأخضعتني لمتابعتها لاسيما مع وجود هذا النهار الطويل المطوق بالصيام وبالخمول والكسل.

ومن الخيارات المحدودة التي ليست بوفرة الموجودة في الكويت، اخترت متابعة مسلسل

"الجماعة"، الذي يتناول سيرة حسن البنا مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، المسلسل متقن جداً، من حيث المادة المكتوبة التي كانت من تأليف المبدع الكبير وحيد حامد، إذ اعتمد فيها على مذكرات حسن البنا ذاته، واتبع فيها تقنية الربط بين ماضي الجماعة وبين حاضرها، وجاءت كتابته متدفقة ومتوازنة وعميقة وموضوعية وبحياد كبير، بحيث أعطت صورة واضحة عن أهداف وأفكار مؤسس الجماعة، وعن تاريخهم وحاضرهم، كان اختيار الممثل الأردني أياد نصار موفقاً جداً، فهو وجه غير مستهلك في المسلسلات، وسبق أن شاهدته في مسلسل لا أتذكر اسمه الآن، كانت شخصيته فيه غير مؤثرة، أما في مسلسل الجماعة فكان تمثيله بصراحة مفاجأة لي، فقد تقمص الدور باقتدار مذهل وبطاقة غول مرعبة، وكأن الحياة دبت في جسد حسن البنا من جديد، أياد نصار من بعد هذا الدور أصبح نجماً متربعاً على قمة الأداء التمثيلي، كما ساهم في نجاح المسلسل وجود هذا الكم الكبير من نجوم الشاشة الصغيرة والكبيرة، أسماء لامعة كلها وجدت في مشاهد قصيرة ربما لهذا الإنتاج الضخم وأيضاً "كرمال" اسم وحيد حامد الكبير.

الملاحظ في هذا المسلسل التطور الكبير الحاصل في المسلسلات المصرية على صعيد الإنتاج المكلف الضخم، والاستفادة من خبرة المخرجين السوريين المتميزين مثل حاتم علي الذي أخرج مسلسل فاروق، ومحمد عزيزية وباسل الخطيب وأيضاً المخرج التونسي شوقي الماجري الذي أخرج مسلسل أسمهان، مما انعكس على جودة الإخراج والإنتاج المصري وعلى التمثيل الجماعي، وفخامة الديكورات، والاستعانة بالكاميرات السينمائية والإضاءة الحديثة، وازدياد مناطق التصوير الخارجي، والاهتمام الواضح بالموسيقى المصاحبة للمشاهد.

وهناك ظاهرة ملحوظة بشدة في هذا العام وهي إشراك الممثلين والممثلات السوريين في أغلبية الأعمال الدرامية بأدوار البطولة.

وبالنسبة للدراما السورية التي لم أشاهد منها إلا مسلسل "وراء الشمس" الذي يعالج مشاكل ذوي الاحتياجات الخاصة، وهو مسلسل إنساني حساس جداً، ويلقي الضوء على مشاكل هذه الفئة التي ربما يجهلها أغلبية المشاهدين، وكالعادة تفوق الممثل القدير بسام كوسا بشكل لا يصدق في أدائه المذهل لدور المتوحد في عالمه النائي والغامض.

ومن المسلسلات الخليجية تابعت "خيوط ملونة"، وهو من المسلسلات الجيدة في حبكتها وفي أداء الممثلين الذي تفوق في رسم الشخصيات المطلوبة من دون مطمطة أو مبالغة أو ترهل.

مسلسل خيوط ملونة مسلسل خليجي استطاع التميز في وسط طوفان المسلسلات الرمضانية لهذا العام.

back to top