لم تشهد هذه المنطقة، ربما منذ ألف عام وأكثر، أعياد ميلاد كئيبة وجريحة كهذه الأعياد التي مرَّت قبل يومين، ففي ضوء مجزرة كنيسة سيدة النجاة في بغداد، وفي ضوء المطاردات التي يتعرض لها الأشقاء والشركاء في الوطن والهموم والتطلعات في العراق كله من البصرة وحتى الموصل، فإن كنائس الشرق كلها قد قرعت أجراس الحزن المكبوت رغم أنها حاولت التعالي على الآلام، ورغم أن زائريها قد رددوا في الليلة المجيدة مثل كل عام: المجد لله في الأعالي وعلى الأرض السلام.

Ad

إنهم غير مسلمين أولئك الذين زرعوا الموت والدّمار في كنيسة وادعة كان روادها الصغار والكبار يرفعون أكفهم البيضاء من غير سوءٍ نحو السماء طالبين الغفران ومتمنين لبلاد الرافدين التي بقوا يلتصقون بترابها منذ فجر التاريخ الاستقرار والخلاص والسلام والمحبة، فالإسلام رحمة والإسلام يحرم قتل النفس البريئة، وأي نفس بريئة بدون حق.

إن هناك شعوراً لدى مسيحيي لبنان، وأيضاً للأسف لدى مسيحيي مصر "الأقباط" بالخوف وبالاستهداف من قبل أناسٍ يفعلون ما يفعلونه باسم الإسلام والمسلمين، وهذه هي المؤامرة التي يتعرض لها هذا الدين الحنيف إذْ بقيت إسرائيل حتى بدايات تسعينيات القرن الماضي تسوِّق نفسها على الغرب الرأسمالي على أنها خندقه المتقدم لمواجهة المد الشيوعي ولمواجهة بعض أنظمة هذه المنطقة التي تشكل رؤوس جسور متقدمة لليسار الدولي وللشيوعية العالمية.

ثم بعد انهيار الاتحاد السوفياتي، وبعد أن فقدت إسرائيل حجتها الآنفة الذكر فقد بادرت بسرعة إلى اختراع عدو جديد للغرب المسيحي وأصبح هناك ما يسمى الـ"فوبيا الإسلامية" كما أصبح هناك أسامة بن لادن وأيمن الظواهري و"القاعدة" وكانت البداية لإثبات صحة هذا الادعاء الإسرائيلي كارثة الحادي عشر من سبتمبر عام 2001 التي مزَّقت صورة الإسلام الوادعة والجميلة، كما مزَّقت أجساد أناس أبرياء لا علاقة لهم بأي صراع ديني كوني إذا كان هناك بالفعل صراع ديني كوني أُعطي عنواناً أكثر تأثيراً وإثارة هو "صراع الحضارات"!

لم يتعرض الإسلام على مدى تاريخه الطويل لا في الغرب ولا في الشرق لكل هذا التشويه إلَّا بعد أن استبدلت إسرائيل بُعبع الشيوعية بـ"بعبع" هذا الدين، وبعد أن ظهر بن لادن وظهرت "القاعدة" و"حزب الله" ولذلك فإنه من غير الممكن النظر إلى ما يتعرض له المسيحيون في العراق وفي مصر وفي لبنان إلَّا من هذه الزاوية فاستهداف المسيحيين، الذين هم أهل بلاد والذين هم أول من استقبل المسلمين والذين هم أيضاً أبناء عمومة تاريخية، على هذا النحو لا تستفيد منه إلّا إسرائيل التي كل ما يشغلها، وخصوصا الآن والعالم يحاصرها بحق الشعب الفلسطيني في تقرير مصيره بنفسه وإقامة دولته المستقلة، هو إثبات أن الإسلام لا يقبل الآخر وأن العرب غلاظ أكباد لا يعرفون لا الرحمة ولا الشفقة.

وهكذا فإنه على علماء المسلمين وعلى كل القوى القومية والإسلامية، التي تدرك مخاطر وأبعاد هذه الجرائم التي ترتكب ضد مسيحيي الشرق باسم المسلمين، أن يتحركوا وبسرعة أولاً لوضع حدٍّ لهذا الذي يجري في العراق وثانياً لإفهام الغرب أن "القاعدة" هي صناعة هدفها إثبات الادعاء الكاذب القائل إنه إذا كان قد زال خطر الشيوعية العالمية فإن الخطر الجديد البديل هو الإسلام وهو هذه التنظيمات الإسلامية.