عند اندلاع أي أزمة فتنوية نوجه أصابعنا إلى من أثاروها، ونهاجمهم ونرمي بأوزارها وتبعاتها على عاتقهم، ونهمل الجانب الأهم وهو قبولنا لبذرة الفتنة وتنميتها ورعايتها حتى تكون فتنة مكتملة النمو كاملة الدسم.

Ad

وإن الاكتفاء بعلاج مثيري الفتن، أو إقصائهم من المجتمع، في زمن الاتصالات والإنترنت وسهولة انتقال المعلومات، لا يفي، فهناك آلاف المصادر للفتن التي لا يمكن ضبطها، والخلل الذي يجب أن يعالج بجدية بالغة، هو قابلية المجتمع لتقبل الفتن واحتضانها وإيجاد الأزمات ورعايتها.

مهما بلغت صعوبة تحديد نقاط الخلل التي جعلت للمجتمع هذه القابلية، يجب علينا الشروع في علاجها قبل تفاقمها أكثر، واتخاذ الخطوات التي عادةً ما تبدأ نمطياً بتشكيل لجان، ثم إجراء دراسات على الوضع لمعرفة أسباب ومكامن الخلل، ثم الخروج بالحلول والتوصيات المناسبة، التي ستصب غالباً في مثل هذه المواضيع، على تغيير بعض الأفكار وإيجاد البدائل، وتعديل الكثير من السلوكيات، وإعادة ترتيب أولويات المجتمع، مع مراعاة الخلفيات الثقافية للأطياف المختلفة.

وأول معضلة تواجهنا: ما الجهة المسؤولة عن حل هذه المشكلة؟ فالبعض اعتاد تحميل الحكومة كل السلبيات، ولا يمكن أن ننكر دورها السلبي هنا، ولكن الجهة المسؤولة عن التشريع والرقابة على الحكومة هي مجلس الأمة، فالمفترض أن يقوم المجلس بدوره في إيجاد التشريعات المناسبة ثم مراقبة الحكومة في تطبيقها، ولكن هيهات! فالمجلس بسبب بعض أعضائه لا يمتلك القدرة الكافية لحل هذه المشكلة، بل يعتبر أحد أوجه المشكلة بوجود هؤلاء الأعضاء، بل لعله أسوؤها.

لذا ليس لنا إلا التماس تدخل المرجعيات السياسية العليا في البلد، لترعى من خلال حضورها الاجتماعي وحصانتها الدستورية هذا العلاج، وتشرف بنفسها على إيجاد التشريعات الملائمة والتطبيق الحازم، علّنا نحافظ على بقايا المجتمع المتهالك بسبب الصراعات، أو أن تتخذ الحكومة قرار تقديم التضحيات، والدخول في صراع حازم مع الأطراف المتنازعة والمستفيدة من الوضع الحالي، لعلها تأتينا بحل ناجع.

أما بقاء الحال على ما هي عليه، فهو بلا شك سيوصلنا إلى أسوأ الأمور «الدم»، فمن يتحسس واقعنا ويقارنه بالدول المتناحرة في صراعات داخلية، فإنه سيجد أننا مصابون باحتقان طائفي عرقي عنصري قبلي استثنائي، وإذا لم نتداركه فسيولد انفجاراً استثنائياً.