الدور القطري في تعزيز الائتلاف الدولي
إن حماية الشعب الليبي من نظامه القمعي واجب أخلاقي وديني وقومي، وسيذكر التاريخ أن أمير قطر كان أول حاكم عربي، ولعله الوحيد الذي يتخذ موقفاً حاسماً لإنقاذ هذا الشعب، الذي قام بثورته ضد أبشع نظام قمعي في التاريخ، فبادر سموه منذ بداية الثورة، حيث قصف هذا النظام شعبه بالطائرات، وجلب المرتزقة، إلى خطاب الأمين العام للأمم المتحدة، وطالبه بسرعة التدخل لوقف العنف ضد المدنيين. وسيسجل التاريخ أن الشهيد القطري البطل علي حسن الجابر، شهيد الحقيقة والحرية، أول شهيد غير ليبي يسقط في ميدان الحرية والكرامة دفاعاً عن الشعب الليبي، وإن مما يدعو إلى الفخر والاعتزاز أن تكون قطر أول دولة عربية تشارك الائتلاف الدولي في تنفيذ قرار مجلس الأمن 1973 بفرض الحظر الجوي، وها هي الصقور القطرية تحلق في سماء ليبيا لمنع كتائب القذافي من مهاجمة المدنيين.
وفي تصوري أن هذا الدور القطري الفعال هو أساس منطلق دول مجلس التعاون في إصدار بيانها القوي على لسان الأمين العام عبدالرحمن العطية بإدانة هذا النظام القمعي الذي يعرض شعبه للإبادة الجماعية، وليهيب بالعرب والمسلمين والعالم إلى وقفة عاجلة لنصرة الشعب الليبي البطل، ثم تقوم الجامعة العربي ولأول مرة في تاريخها باتخاذ قرار يشكل تحولاً نوعياً لا سابق له في مواقف الجامعة منذ تأسيسها، فتطالب مجلس الأمن بتحمل مسؤولياته تجاه حماية الشعب الليبي بإنشاء منطقة حظر جوي وتوفير الحماية لهم. هذا الموقف الجديد يستحق التأييد اليوم، فقد كانت مواقف الجامعة السابقة في خدمة الأنظمة لا الشعوب، وخير دليل صمت الجامعة الطويل على إبادة الأكراد في حلبجة وجرائم النظام العراقي السابق في حق شعبه وقمعه الوحشي لانتفاضة 1991، لكن هذا الموقف الجديد للجامعة لم يكن ليتحقق لولا الموقف الخليجي القوي الذي ضغط في اتجاه هذا القرار التاريخي، وانطلاقاً من الموقفين العربي والخليجي اتخذ مجلس الأمن قرار فرض الحظر الجوي، وسمح باتخاذ الإجراءات الضرورية لحماية المدنيين. ولعلنا نتذكر أن المجتمع الدولي كان متردداً إزاء التدخل العسكري لاعتبارات؛ أبرزها عدم وضوح الموقف العربي، وخشية الاتهام بالاحتلال والغزو، وكانت كتائب القذافي الوحشية تصب نار العذاب على المدنيين وتستعيد سيطرتها على المدن المحررة، وتقتل الناس بدون رحمة، وكانت الخشية كبيرة على الثورة الوليدة، وجاء الموقف العربي الحاسم ليقطع هذا التردد ولينقذ الشعب الليبي من إبادة محققة. لقد كان الدور القطري النشط عاملاً حاسماً في كل هذه التطورات وفي النتائج المتحققة ليحصل، ولأول مرة، توافق دولي عربي خليجي تجاه هذا النظام الوحشي. التساؤلات المطروحة اليوم: كيف تغيرت الجامعة العربية من جامعة لخدمة الأنظمة إلى جامعة تهتم بحريات الشعوب العربية؟! ولماذا أصبح المجتمع الدولي أكثر استجابة لنداءات الحرية من قبل الشعوب المضطهدة؟ كان العراقيون يئنون تحت وطأة النظام القمعي 30 سنة، وكانوا يستصرخون العالم والعرب والمسلمين لكن لا نصير ولا مجيب! وكان الزعماء يجاملون حاكم العراق السابق، وكان المثقفون والشعراء والأدباء يتوافدون إلى منتدياته طمعاً في عطاياه، ويبالغون في تمجيده، وكان الإعلام العربي عامة لا يذكر إلا محاسنه، وكان الأوروبيون في شغل شاغل عن العرب لا يعنيهم أمرهم ولا يرون العرب جديرين بالديمقراطية، وكان شعارهم: «دعوا العرب ينزعون شوكهم من أظهرهم بأيديهم، يتكلمون كثيراً عن حقوق الإنسان لكنهم لا يفعلون شيئاً»، وبحسب مقولة علي عزت بيغوفتش- رئيس البوسنة- الأميركيون وحدهم يستطيعون إنقاذنا من الفناء، إذا لم يأتوا فلن يبقى مسلم في يوغسلافيا، أما الأوروبيون فإنهم سيتناقشون «حتى يتم القضاء علينا». وتحركت أميركا واقتلعت النظام الصدامي، وحررت العراقيين، لكن كانت فرنسا شيراك في تلك الأيام تقود حملة المعارضة ضد التحرير، وتسعى إلى شق صف دول التحالف، وتهدد باستخدام الفيتو في خيانة لمبادئ الثورة الفرنسية ولأهداف مصلحية انتهازية، وسبحان مقلب الأحول، ها هي فرنسا ساركوزي اليوم هي الأكثر حماسة واندفاعة لحشد التأييد الدولي عبر سلسلة من الاجتماعات والتحركات النشطة. استطاع ساركوزي الخارق استدعاء الزعماء من 4 قارات، واجتمع بضيوفه العشرين، وما إن اتفقوا حتى صرح بأن طائراته بدأت التحليق؛ قائلاً: «إن فرنسا قررت الاضطلاع بدورها أمام التاريخ في وقف أعمال القتل التي يقوم بها القذافي ضد شعب يريد التحرر من العبودية»، كما يقوم بالاعتراف بالمجلس الوطني الليبي. إننا إذ نثمن الموقف الفرنسي المستند إلى مبادئ الشرعية الدولية والأخلاقية فإنه بذلك يحقق نوعاً من التكفير للمواقف المتخاذلة السابقة، ما الذي غير العالم؟ وما الذي غير العرب؟ إنه التوق إلى الحرية، تلك الفطرة التي غرسها الخالق عز وجل في نفوس البشر، لكن القيود والأغلال ووسائل التعذيب الرهيبة التي تمارسها الأنظمة القمعية زرعت الخوف في النفوس، وجاءت ثورة الاتصالات وتطورت وسائل الإعلام الاجتماعية، «فيسبوك- تويتر- يوتيوب» لتلغي الحواجز، ولتمكن الشعوب من التواصل المباشر، ولتشجع الشعوب على الثورات ضد الطغيان، فسرت عدوى الحرية وانكسر حاجز الخوف أمام الشعوب لمواجهة القمع والقوة الظالمة. وفي موازاة الدور الإيجابي لقطر وفرنسا، تعجب للدور التركي الانتهازي الذي مازال يدافع عن نظام فقد شرعيته، وتركيا لم تكتف بعرقلة الجهود الدولية والتشويش عليها، والتشكيك في أهداف التدخل الدولي، بل طرحت مبادرات غامضة بهدف تأهيل النظام القمعي، وهذا ليس بغريب على تركيا، فقد سبق أن رفضت عبور القوات الأميركية لتحرير العراق، وانخدع البعض وهللوا واعتبروه موقفاً بطولياً، واتضح لاحقاً أن القضية تتعلق بخلاف على الثمن بأطماع تركيا، ثم نفط كركوك والموصل! ولا أفهم دوافع السيد عمرو موسى صاحب الألف وجه طبقاً لطه خيلفة في تسرعه وتصديقه أكاذيب النظام الليبي ثم تراجعه! كما أتعجب من بيان الأزهر الشريف في التنديد بالتدخل الغربي، وقد سبق لشيخ الأزهر أن طالب المسلمين والشرفاء في كل مكان أن يهبوا لنصرة الشعب الليبي! ومازلت في حيرة من أمر هؤلاء الكتاب الذين ينتقدون الجامعة لأنها وفرت غطاء سياسياً للتدخل الغربي، هؤلاء مازالوا أسرى عقد الهواجس التآمرية المستحوذة عليهم. إن جميع الدول العربي والإسلامية مطالبة اليوم- انطلاقاً من مسؤولياتها الدينية والأخلاقية والقومية- بالتخلي عن مواقف التردد، للمساهمة الفعالة في تعزيز جهود الائتلاف الدولي ضد هذا النظام القمعي، كما أن مسؤولية دول الجوار أكبر وأعظم خصوصا مصر، ولا أفهم مبررات النكوص المصري المتعلقة بالأمن الداخلي وحماية المصريين في ليبيا، وأراها مبررات غير مقنعة. ويبقى أن نحيي المساهمة القطرية المعززة للجهود الدولية، وكذلك المساهمة الإماراتية بـ12 طائرة، فإننا نتطلع إلى مساهمة بقية الدول العربية في هذا الجهد الدولي، فتلك مسؤوليتها قبل أن تكون مسؤولية المجتمع الدولي. * كاتب قطري كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراءيمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة