في 6/9/2007 كتبت مقالاً بعنوان «كلنا مشاركون في اختطاف بشار وجاسم» تعليقاً على خطف جهاز أمن الدولة للزميلين بشار الصايغ وجاسم القامس والاعتداء على الأخير بالضرب، وقلت آنذاك إن سبب تمادي هذا الجهاز هو بسبب سكوتنا عن كثير من الأحداث السابقة مثل سكوتنا عن الاعتداء على الزميلين عادل العيدان وغانم السليماني، وسكوتنا أيضاً عن موت المتهم بقضية «أسود الجزيرة» عامر خليف في السجن في ظروف غامضة، قالت عنها الجهات الرسمية إنها نتجت إثر (هبوط مفاجئ في الدورة الدموية) ومن دون أن تُعرض جثته على جهة مستقلة غير حكومية، وقلت آنذاك إنه بالرغم من فداحة ما ارتكبه هذا التنظيم، فإن ذلك لا يعد مبرراً لقيام الأجهزة الأمنية بدور القضاء وعدم معاملة أعضائه بالطرق القانونية. (أعتقد الآن أن الكثيرين لم يعودوا يصدقون أن خليف توفى نتيجة لهبوط بالدورة الدموية).

Ad

وفي 27/3/2008 وبعد حل مجلس الأمة بأيام معدودة كتبت مقالاً بعنوان «فليفتح ملف أمن الدولة» عن حادثة متعلقة بجهاز المباحث وهي انتحار «بدون» بسبب احتجاز أمه وأخته بعد أن سرق دورية، وتقول أخت المنتحر في الخبر الذي نشرته «القبس» بتاريخ 19/3/2008 إنه تم احتجازها وهي تعاني مرض الفشل الكلوي إضافة إلى أخيها الذي يعاني مرض السرطان ووالديها المسنين ثلاثة أيام في المخفر بحجة أن أخاها سرق دورية.

ولم يتوقف الأمر عند هذا الحد بل أسمعوهم أبشع الألفاظ واعتدوا على والدها بالضرب، ورفضوا أن يطلقوا سراحهم إلى أن يسلم أخوها (خالد) نفسه! وتقول الأخت إنه عندما اتصل خالد وهدد بالانتحار أجابه رجال المباحث بقولهم: «موت، أمك وأختك عندنا»! وفي النهاية تقول الأخت إنه عندما أطلق سراحهم في الصباح قيل لهم «خالد انتحر، وما أبي أسمع صوتكم، روحوا استلموه من الأدلة الجنائية» لتنهار الأخت والأم من جراء هذه المأساة المروعة.

وفي الخامس من أغسطس الماضي كتبت مقالاً آخر بعنوان «الجرائم بازدياد... ورجال الأمن نجومها»، وأوردت فيه بعض أخبار الجرائم في البلد والتي تورط فيها رجال الأمن سواء من وزارتي الداخلية أو الدفاع. وتساءلت حينها عما إذا كانت هذه الجرائم المتكررة تعد دليلا على وجود خلل كبير في الأجهزة الأمنية وأن الفساد المستشري بالبلد وصل إليها؟ وتساءلت أيضاً عمّا إذا كانت هذه الجرائم المتكررة تتطلب وقفة جادة من قبل الحكومة ومجلس الأمة؟ وهل يشعر الناس بالأمان ما دام ينطبق على البعض مقولة «حاميها حراميها»؟

طبعاً مرت هذه الحوادث وغيرها الكثير دون أن يحرك مجلس الأمة ساكناً لأنه دائما مشغول بالاستجوابات العبثية، وطبعاً لم تحرك الحكومة ساكناً أيضاً لأنها «ما تدري وين الله قاطها» وبسبب انشغالها أيضاً بتلك الاستجوابات، فهل كان يجب أن يتوفى مواطن تحت التعذيب حتى يفتح هذا الملف؟

فإن كان بعض الأشخاص الفاسدين بالداخلية يتحملون دم المرحوم محمد الميموني بالدرجة الأولى، فإن الحكومة ككل وأيضا مجلس الأمة وكل أفراد الشعب هم مشاركون بهذه الجريمة نتيجة لهذا السكوت المطبق عن مثل هذه الجرائم التي طالما قرأنا عنها في الصحف طيلة السنوات الفائتة.

من الواضح جداً أن هناك خللاً كبيراً في المفاهيم التي يتم زرعها في ذهنية رجال الأمن سواء في الداخلية أو الدفاع، وأبرز مظاهر هذه المفاهيم الخاطئة هو اعتبار بعض رجال الأمن أنفسهم فوق القانون، وأعتقد أن هذه الظواهر ما كانت لتوجد لدى صغار الضباط من دون وجودها لدى الكبار أيضاً، وأعتقد أن هذه النفسية ما كانت لتوجد أيضاً لولا المعاملة الفجة التي يتلقاها منتسبو الأجهزة الأمنية في أثناء تدريبهم في المعاهد، والتي تطرق إليها الزميل ضاري الجطيلي في إحدى مقالاته، فسياسة ضرب المتدربين والاستهزاء بهم «بالطالعة والنازلة» بحجة التربية العسكرية يساهمان في خلق نزعة الانتقام لدى هؤلاء المتدربين، فنجدهم يفرِّغون هذه النزعة في الناس العاديين. ويبدو أيضا أن نفوس بعض مسؤولي وزارة الداخلية مشحونة تجاه بعضهم بعضا، وأكبر دليل هو ما قاله أحد مسؤوليها تجاه الناطق الرسمي باسم الوزارة... أن تصل متأخراً أفضل من ألا تصل إطلاقا، لكن مرة أخرى هل كنا بحاجة إلى قتل مواطن حتى يفتح هذا الملف؟