مزعجة تلك البلاهة والحاجبان المرفوعان على وجوه المستغربين من جريمة تعذيب المواطن محمد الميموني حتى الموت، وكأنهم لأول مرة يعرفون بهكذا انتهاكات تحدث في وزارة الداخلية بشكل يومي ومنظم ينم عن منهج عام وثقافة متجذرة، وليس تصرفات فردية كما يريد مجلس الوزراء والداخلية أن يوهمانا.
هذه الانتهاكات للأسف تلقى من يشجعها، أو يسكت عنها في أحسن الأحوال، فعندما نسكت عن نقاط التفتيش في الشارع المخالفة للقانون والتطفل على خصوصيات الناس، فإننا نعطي الشرطة الضوء الأخصر للتنصت على المراسلات والاتصالات ومراقبة المنتديات والمدونات وانتهاك حرمة المنازل، وعندما نستسهل إهانة الوافدين في المطار من قبل الشرطة، أو نأخذ الخادمة للمخفر بأيدينا ونطلب من الشرطة «تأديبها» بدون تسجيل قضية حتى لا تهرب مرة أخرى، فكأننا نقول إن الكويتي فقط يستحق الكرامة الإنسانية، وعندما تعتدي الداخلية على المواطنين والنواب وتجد من يصفق لها ويقول «قلعتهم» من دون سند قانوني، فإننا نعطي الضوء الأخضر للضباط باختلاق قوانينهم الخاصة وتطبيق أحكامهم في جواخير كبد والمخافر، وعندما نسمح لقيادات أمنية أن تكذب على الناس في المؤتمرات الصحافية، فإننا نعطيهم الضوء الأخضر لأن يكذبوا على وزيرهم أيضاً كما حدث في قضية الميموني.لا يا سادة، الاستغراب «ما يلوق عليكم» لأن الجريمة ليست بجديدة ولكنكم اخترتم الصمت، فالصحف تكاد لا تخلو أسبوعياً من أخبار أحكام ببراءة متهمين لبطلان إجراءات الاستيقاف والتفتيش أو انتزاع الاعترافات بالإكراه والتعذيب، وكتبت وكتب غيري كثيرون ممن يهمهم الأمر مراراً عن تلك الانتهاكات، وكل من له قريب أو صديق يعمل بالمخافر أو المباحث أو أمن الدولة تصله أخبار ما يدور فيها من انتهاكات، وكيف أن بعض أفراد الشرطة أحياناً يمارسونها فقط لشغل أوقات الفراغ، وكل من له معرفة بأحد ما تم اعتقاله وإهانته وتعذيبه يعلم بطبيعة تلك الانتهاكات.الوزير يقول لا يشرفه العمل بوزارة تعتدي على الناس، ومدير المباحث اللواء علي اليوسف الصباح قال في مقابلة في «الراي» في يوليو 2010 إنه «لا مكان في المباحث لضباط فاشلين ينتزعون اعترافات المتهمين بالقسوة»، وقادة «الداخلية» يرددون أسطوانة أن رجال الأمن هم أول من يلتزم بالقانون، وهذا كله كلام مأخوذ خيره، دع عنك قضية الميموني، ودع عنك ندوة الصليبيخات، وتعالوا لنشهد عليهم شاهداً من أهلهم، مساعد مدير المباحث العميد مازن الجراح اعترف بكل ثقة في مقابلة «تو الليل» بأن أفراده يضربون المتهمين لانتزاع الاعترافات، وكان ذلك في مايو 2010 أي قبل كلام مديره ووزيره، فلا الوزير استقال ولا المدير عاقب مساعده وأفراده.ما تسرب من التحقيقات حتى الآن يبشر بالخير، ولكن لا تكفي معاقبة ضباط وأفراد صغار في ظل نهج عام في الوزارة، خصوصاً أن ما تسرب من إفادات المتهمين بأنهم عُذبوا تنفيذاً لتعليمات قيادات عليا يأتي منسجماً مع اعتراف العميد الجراح في التلفزيون بضرب المتهمين، فإن لم تطل المحاسبة والعقاب أعلى المستويات في الوزارة فإن تلك الانتهاكات ستستمر.نصيحة لـ»الداخلية»: أنتم بأمس الحاجة الآن إلى إعادة ثقة الناس بكم في ظل انكشاف هذه الفضائح، لذلك فإن استمراركم باستفزاز الناس ببيانات منع الندوات والتجمعات من دون سند قانوني لا يخدم جهودكم.
مقالات
أنتم اخترتم الصمت
20-01-2011