إن علينا أن نترفع اليوم عن كل هوياتنا الجزئية، سواء كانت مذهبية أو فئوية أو عرقية أو غيرها، وأن نلوذ بالهوية الوطنية الجامعة، أمام هذه الظروف الخارجية والداخلية التي تهدد وطننا الجامع الكويت. الجو المشحون الذي نعيشه هذه الأيام قد خلق حالة من التحفز الطائفي تغلب على كثير من الناس، حتى صار الواحد لا يكاد يسمع كلمة يظن أو يشعر أنها مست طائفته حتى يندفع لصدها والرد عليها، بل الهجوم على قائلها، دون إعطاء نفسه أي فرصة للتبصر والتأمل.

Ad

الطائفية لا تكاد تستثني أحدا، وأكاد أجزم أنها موجودة، بشكل من الأشكال، في نفوس الجميع، وما بقيت إلا قلة قليلة جدا أدركت هذه الحقيقة واستطاعت تحجيم هذه الطائفية المتجذرة، وكبح جماح تفاعلاتها النفسية لمنعها من التشويش على بصيرتها، وتلويث حكمة منطقها.

في الأمس أشرت في الإنترنت إلى قضية طرحها الزميل حمد الجاسر في صحيفة «الحياة» بعنوان: «الجالية الإيرانية في الكويت وأخطار التوظيف الأمني»، وقلت إنها ستكون كارثة لو صدق هذا التقرير، وهو الذي أشار إلى بُعد استخباراتي هائل للجالية الإيرانية التي تقدر بمئات الألوف في الكويت، وما هي إلا ثوان حتى انهالت عليّ الردود، على مستويين في الغالب: المستوى الأول لمن ذهبوا إلى تأكيد خطر إيران على الكويت، والمستوى الثاني لمن ذهبوا إلى التشكيك في مصداقية التقرير والدفاع عن إيران، ومعه توجيه الملامة إليّ لنشر مثل هذا الأمر الذي سيثير البلبلة الطائفية، ولم يذهب أحد مطلقا إلى الجهة التي أردت، ألا وهي أن التقرير وجه في رأيي اتهاما مباشرا، وإن كان ضمنيا، إلى ضعف الأمن الكويتي إلى الدرجة التي جعلته مخترقا بهذا الحجم، ليأتي تقرير صحفي في صحيفة سيارة، ويتحدث عنه بهذه الأرقام والوقائع والأمثلة!

ردود الناس عليّ، سلبا أم إيجابا كانت مدفوعة في تحليلي، وأكاد أقول بالكلية، بالدافع الطائفي، فمن هاجموا إيران هاجموا شيعيتها، ومن دافعوا عن إيران دافعوا عن شيعيتها وشيعيتهم، ولم ينظر أحد إلى الأمر على مقياسه الوطني كما أردت.

أنا لا يعنيني في المقام الأول أن التقرير كان يتحدث عن إيران «الشيعية» بالذات، بل كنت سأقول نفس الكلام لو كانت المذكورة دولة أخرى غيرها، دولة سنية على سبيل المثال، فالمحصلة واحدة، وهي أن التقرير يتهم الأمن الكويتي بالضعف والبلادة والاختراق بهذه الطريقة الفاضحة، وهو ما أعتبره كارثة في كل الأحوال.

وهنا سأقول إن علينا أن نترفع اليوم عن كل هوياتنا الجزئية، سواء كانت مذهبية أو فئوية أو عرقية أو غيرها، وأن نلوذ بالهوية الوطنية الجامعة، أمام هذه الظروف الخارجية والداخلية التي تهدد وطننا الجامع الكويت. ويجب أن تكون ردة الفعل تجاه مثل هذا التقرير الذي يتهم الكويت بالضعف الأمني والاختراق، ردة فعل واحدة متساوية نابعة من غيرتنا على وطننا الواحد لا غيرتنا على مذهبنا أو قلقنا على فئتنا الجزئية، وبالتالي فكان الجدير أن نوجه تساؤلاتنا المحرقة نحو جهاتنا السياسية والأمنية عن مدى مصداقية ما جاء في هذا التقرير، خصوصا أن الفترة الماضية قد حفلت بالكثير من الإثارة والاتهامات التي تتحدث عن اختطاف القرار السياسي واختراق الواقع الأمني لجهات خارجية، أتت إيران دوما على رأسها، وهذا هو الدور المفترض من كل كويتي يهتم لأمر وطنه قبل كل شيء.