يحرص المتحفظون عن زيارة الرئيس الإيراني محمود أحمدي نجاد للبنان على تأكيد أن اعتراضهم ليس على مبدأ الزيارة التي تأتي تلبية لدعوة رئيس الجمهورية ميشال سليمان، بل على برنامج الزيارة وتفاصيلها التي خرجت عن البروتوكول الذي يُعتمد عادة في تنظيم مثل هذه الزيارات. ويرى هؤلاء أن خروج أحمدي نجاد عن القواعد المعتمدة في زيارات رؤساء الدول يعكس طبيعة النظر الإيرانية الاستراتيجية إلى الوضع اللبناني، وهي نظرة تقوم على اعتبار "حزب الله" الركيزة التي تستند إليها إيران في التعاطي مع لبنان. ومن أبرز الملاحظات التي سجلها المعترضون على برنامج الزيارة:

Ad

1- سلوك الرئيس الإيراني الطريق من مطار رفيق الحريري الدولي إلى القصر الجمهوري في بعبدا في سيارة مكشوفة وجه من خلالها التحية إلى مستقبليه، وهو ما لم يسبقه إليه أي زائر للبنان أو لأي دولة في العالم من قبل. ذلك أن مثل هذا التصرف يتطلب في الحد الأدنى وجود رئيس الدولة المضيفة إلى جانب الرئيس الزائر. ويعود المعترضون بالذاكرة إلى زيارة البابا يوحنا بولس الثاني للبنان، عندما استقل البطريرك الماروني نصرالله صفير، باعتباره الرئيس المحلي للكنيسة المارونية، السيارة المكشوفة جنباً إلى جنب مع البابا الزائر لتحية مستقبلي بابا الفاتيكان.

2- إلقاء الرئيس الإيراني خطاباً سياسياً أمام استقبال جماهيري أقامه له "حزب الله" في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهي سابقة غير معهودة في العلاقات بين الدول، ذلك أن البروتوكول يقضي بألا يلبي رؤساء الدول دعوات الأحزاب إلى استقبالات شعبية، علما أن البروتوكول لاحظ إمكان تكريم استثنائي لأي رئيس دولة يمكن أن يقول ما لديه ليتوجه به إلى شعب الدولة المضيفة، من خلال دعوته إلى إلقاء كلمة أمام مجلس نواب تلك الدولة، بحيث يتوجه إلى الشعب من خلال مؤسساته الدستورية لا من خلال أحزابه.

3- مضمون الخطاب الذي ألقاه نجاد في ملعب الراية في الضاحية الجنوبية لبيروت، وهو خطاب يعكس السياسة الإيرانية ونظرة إيران إلى دور لبنان في هذه السياسة، وهي سياسة تتعارض في كثير من الأسس مع سياسة الدولة اللبنانية، لاسيما في تعاطيها مع محيطها العربي ومع المجتمع الدولي. وبالتالي فإن الأصول تقضي بأن يعبر الرئيس الضيف عما هو مشترك في السياسة مع الدولة المضيفة، وألا يتحدث في الأمور المختلف فيها أو التي تتباين مع سياسات الدولة المضيفة إلا في حضور نظيره صاحب الدعوة. ويشير المعترضون إلى ثلاث نقاط يجب أن تعالج لتصبح العلاقة بين إيران ولبنان علاقة متكافئة من دولة إلى دولة، ولتسقط تحفظات المعترضين على الزيارة من اللبنانيين:

1- المساعدات المالية التي يحصل عليها "حزب الله" من إيران بمئات الملايين من الدولارات من دون المرور بمؤسسات الدولة اللبنانية، وهي مساعدات تصل إلى لبنان وتصرف خلافاً للدستور والقوانين التي تحتم موافقة مجلس الوزراء على قبول أي هبة أو مساعدة من الخارج.

2- تعاطي إيران مع القرارات الدولية الصادرة عن مجلس الأمن، لاسيما القرارات المتعلقة بلبنان، وفي مقدمها القرار 1701 الذي ينص على ضرورة امتناع أي دولة عن تصدير السلاح إلى لبنان ما لم تكن الوجهة الحصرية لهذا السلاح الدولة اللبنانية وقواتها المسلحة الشرعية، فإيران تخرق هذا القرار بتزويدها "حزب الله" بالسلاح.

3- تبني إيران وجهة نظر "حزب الله" من الصراع العربي الإسرائيلي، لا بل تأمين إيران التغطية السياسية والعسكرية والمالية والخدماتية لـ"حزب الله" بما يمكنه من تشكيل حالة خاصة داخل الدولة اللبنانية تتبنى السياسة الإيرانية في لبنان والمنطقة والعالم بمعزل عن آلية اتخاذ القرارات في الدولة اللبنانية، وهو ما ينعكس دعماً إيرانياً يسمح لـ"حزب الله" بفرض وجهة نظره من الاستراتيجية الدفاعية ومن تشكيل السلطة في لبنان على بقية اللبنانيين من دون أن يتمكن هؤلاء من ترجمة تطلعاتهم في ظل غياب موازين القوى التي تسمح لهم بالتعاطي مع "حزب الله" من موقع الشريك الندي.

وفي رأي هؤلاء المعترضين فإن الشق الرسمي من الزيارة جاء ليغطي الأهداف الحقيقية للرئيس الإيراني، في إعطاء دفع جديد لـ"حزب الله"، تمهيداً لجولة جديدة من جولات الصراع الهادفة إلى إمساك "حزب الله" بالمزيد من مفاصل السلطة والقرار على مستوى الدولة اللبنانية، في ظل جو من الإحباط ساد قسماً من اللبنانيين من المعارضين لزيارة أحمدي نجاد، عبروا عنه برسالة نصية قصيرة تم تداولها على نطاق واسع في لبنان خلال الساعات الماضية، جاء فيها: "أهلاً إيران، شكراً قطر، عفواً سورية، ووداعاً لبنان"، علما أن "أهلاً إيران" هي ترجمة لشعار "خوش آمديد" الذي رفع على نطاق واسع لاستقبال نجاد، و"شكراً قطر" هو تعبير عن الشعار الذي رفع خلال زيارة أمير قطر الأخيرة للبنان قبل أسابيع، و"عفواً سورية" هي ترجمة للضغوط التي تعرض لها رئيس الحكومة سعد الحريري لسحب الاتهام السياسي لسورية باغتيال الحريري، و"وداعاً لبنان" هي تعبير عن افتقاده دوره السياسي الموزع بين إيران وقطر (نسبة إلى اتفاق الدوحة) وسورية وغيرها.