هل نموت كي تفشل المؤامرة؟!
خلال الأسبوع الماضي تلقيت أكثر من رسالة من بعض الإخوة القراء الذين يشرحون لي قلقهم الشديد من تطور ظاهرة الثورات الاحتجاجية في الوطن العربي، وإمكانية دخول الدول العربية في مرحلة الفوضى غير الخلاقة، بحيث تنتشر الحروب الأهلية والنزاعات الطائفية، وتعيث المجموعات الإرهابية في الأرض فسادا، ويتعاظم شأن الدعوات الانفصالية، وتتعرض الدول العربية للتقسيم والتدخل الأجنبي.
ويتفق هؤلاء القراء القلقلون على أن ما يحدث ليس له في بحث الشعوب العربية عن حقها في الحرية والعدالة، بل إن الأمر في مجمله هو جزء من مؤامرة دولية أعدت بإحكام، ولكنهم يختلفون حول من يقف وراء هذه المؤامرة, فبعضهم يتهم الولايات المتحدة وإسرائيل بينما يتهم البعض الآخر إيران وقناة الجزيرة!وأنا لا أختلف مع هؤلاء القراء حول خطورة المرحلة التي يمر بها العالم العربي، ولست متأكدا ما إذا كانت الأمور ستنتهي ببناء كيانات ديمقراطية تحافظ على كرامة الإنسان أم أنها سوف تنتهي بانتشار الفوضى الأمنية، وعودة الوصاية الدولية العسكرية على العالم العربي, ولكنني أرى أن المتسبب في كل ذلك ليس أميركا أو إسرائيل أو إيران أو قناة الجزيرة، بل الأنظمة العربية التي قهرت الشعوب وسحقت الإنسان، وسلبت منه أبسط حقوقه حتى أصبح العالم العربي مضرب المثل في الطغيان والفساد وتكميم الأفواه. فهل يعقل أن نطلب من المواطن العربي أن يموت وهو على قيد الحياة كي يفشل المخطط الصهيوني الأميركي الإيراني؟ وهل ستستمع الشعوب العربية أصلا إلى هذه الدعوات القلقة وتتنازل عن حقوقها المشروعة حفاظا على مصلحة الأمة العربية؟ وما أهم من ذلك: هل يظن عاقل أن الطغاة العرب هم السد المنيع الذي يحمي الأمة العربية من التدخل الأجنبي؟!نعم قد يستغل أعداء الأمة والطامعون الثغرة الهائلة التي تسبب في وجودها الحكام لا الشعوب, وهذا أمر طبيعي جدا، فالسياسة الدولية قائمة على استغلال الأزمات أو إداراتها كما قال كيسنجر: «نحن لا نحل الأزمات بل نديرها», وهذا هو أقل ما يمكن أن يتوقعه الأمر من الطغاة والطامعين, ولتقريب هذه المسألة أعيدكم إلى مشهد من مسرحية «باي باي لندن»، حين أراد الفنان الكبير عبدالحسين عبدالرضا دخول صالة للقمار فحذره الفنان داود حسين من ذلك بحجة أن صاحب صالة القمار يهودي, فالتفت إليه عبدالحسين مستغربا، وسأله: «إذا يهودي تبيه يصير إمام مسجد؟!», لذلك فإن إفشال هذه المؤامرة الدولية– إذا وجدت– لا يكون بتنازل الشعوب عن المطالبة بحقوقها المشروعة، بل بتنازل الطغاة عن طغيانهم، خصوصا أن الكثيرين منهم لا تعنيهم مصلحة الأمة من بعيد ولا من قريب، بل هم مستعدون للتحالف مع الشيطان من أجل بقائهم في السلطة.* كاتب سعودي