يلاحَظ على بعض ردود الفعل نبرة الاستخفاف بالثورة الشبابية المصرية، بما يوحي بعدم إدراكها للحالة التاريخية غير المسبوقة التي حدثت أولاً على أرض تونس، وهي تحدث وتتشكل وتتكون في هذه الأيام على أرض مصر العزيزة.

بل إن الكثير من التحليلات مازال يدور في ذات الفلك السابق على 25 يناير، فيتساءلون عن تصريح هذه الدولة أو تلك الدولة. تساؤلات أغلبها مازال غير قادر على استيعاب حجم الفعل التاريخي على الأرض.

Ad

الجميع من دول وتنظيمات، مناوئة كانت أم مؤيدة للثورة، مازالوا يرتكبون ذات الضياع وقد يكتشفون قريباً حجم الخطأ الذي هم فيه واقعون. لا يختلف ذلك إن جاء من الولايات المتحدة أو إيران أو حلف الأطلسي أو الاتحاد الأوروبي أو أدنى مستوى، الكل يحاول أن يركب على ظهر الثورة ويحاذر في التعامل معها إن مدحاً أو قدحاً.

شباب ائتلاف ثورة الغضب أثبتوا أنهم على درجة عالية من النضج عندما حددوا مطالبهم الواقعية القابلة للتنفيذ في إطار الشرعية الثورية، وهنا أورد المطالب التي وضعوها في أروقة ميدان التحرير كما وصلتني من هناك.

أولاً: إسقاط الرئيس وهو لم يتم، وثانياً: حل مجلسي الشعب والشورى، وهو ما لم يتم، وثالثاً: إنهاء حالة الطوارئ فوراً وهو كذلك لم يتم، ورابعاً: تشكيل حكومة وحدة وطنية انتقالية فلم يتم أيضاً، وخامساً: انتخاب برلمان يتولى القيام بالتعديلات الدستورية، وهو لم يتم كذلك، وسادساً: محاكمة المسؤولين عن مقتل شهداء الثورة، وهو لم يتم، وسابعاً: المحاكمة العاجلة للفاسدين وسارقي ثروات الوطن، وهي قد بدأت جزئياً.

هكذا إذاً يتضح أنه لم تتم الاستجابة الكاملة حتى لسبع المطالب المعلنة، فكيف يتوقع المتوقعون أن يتوقف شباب الثورة ويعودوا إلى بيوتهم؟ وما هي الضمانات عن عودة الأمور إلى سابق عهدها وملاحقة الشباب الذين نظموها، خاصة أنه منذ اندلاع الثورة أقرت «هيومان رايتس ووتش» بمقتل قرابة الـ300 شهيد؟ ألا تدل المطالب المذكورة على نضج أولئك الشباب بدلاً من الاستخفاف بهم والتقليل من شأنهم؟

من الطبيعي أن تثار في وجه الثورة الكثير من الأقاويل المرسلة لإعاقتها وحرفها عن طريقها وتقسيمها، وسنحاول عبر هذه السلسلة المستحقة أن نناقش تلك الأقاويل، ولعل أهمها مقولة هل سيستولي «الإخوان المسلمون» على السلطة في مصر بعد استقرار الثورة؟ وهل تأكل الثورة أولادها؟ ذلك ما سنبحثه في المقالة القادمة بإذن الله.

* هل هي عودة وعي؟

الخطوة التي قام بها وزير الداخلية القديم الجديد الشيخ أحمد الحمود للندوة المعارضة في ديوانية الوعلان هي مؤشر لعودة وعي، وهي خطوة إيجابية بحاجة إلى أن تتبعها خطوات إيجابية أخرى، ولعل إبعاد قوات الأمن عن محيط الديوانية يمثل خطوة في طريق التوقف عن منهج «عسكرة الدولة» الذي اندفعت فيه الحكومة بدءاً من 8 ديسمبر الماضي في أحداث ديوانية الحربش بالصليبيخات. بالطبع هناك ضرورة لاستعادة ساحة الإرادة من قبضة الأمن فوراً ودون تأخير، وهي الساحة التي تشكلت من العدم شعبياً في إطار حملة «نبيها خمسة» وأصبحت مكاناً مشروعاً للتجمع بدلاً من تحوُّل الناس إلى أماكن أخرى. كذلك فإن إصلاح وزارة الداخلية أصبح مطلباً لا رجعة عنه لكي لا تتكرر أحداث مشابهة لمقتل المرحوم محمد الميموني.

ولعله في ذات الإطار يفترض القيام بإسقاط جميع القضايا الخاصة بالرأي والتي أقامها سمو رئيس الوزراء أو الحكومة بأجهزتها المختلفة، وضرورة الإفراج الفوري عن د. عبيد الوسمي دون تأخير، ففي المبالغة في استخدام الحبس الاحتياطي تعسف لا مبرر له.

لا أجزم إن كانت «عودة الوعي» تلك قد تأثرت بثورتَي تونس ومصر، ولا أظن أن ذلك مهم، بل الأهم هو أن تعي الحكومة أن استفزاز الناس، وانتهاك حقوق الإنسان، والعبث بالدستور ليست إلا مكونات لعدم الاستقرار، وأن التمسك بالدستور وحفظ كرامة الناس ومكافحة الفساد هي العناصر التي ستحفظ استقرار البلاد وتحميها من كل مكروه وهو ما ننشده جميعاً.

كتاب الجريدة يردون على تعليقات القراء

يمكنك متابعة الكاتب عبر الـ RSS عن طريق الرابط على الجانب الايمن أعلى المقالات السابقة