تنتشر في العالم العربي حماقة ثقافية أو موضة جديدة، هي أن كثيراً من الشعراء و{الشاعرات» والكتاب والكاتبات العرب أو المشرقيين، بدل تقديم المعرفة في محاضراتهم وكتبهم ومقالاتهم الأسبوعية وأفكارهم ورواياتهم وأشعارهم، نجدهم يشتمون العالم العربي ويشعرون بالقرف منه ومن ثقافته ويمارسون نوعاً من الاستعلاء على ناسه وتراثه ومعارضه، كأنهم مقطوعون من شجرة.
هؤلاء، على طريقة أحد السياسيين اللبنانيين الذي يفضّل «لو كان زبالاً في نيويورك»، يسحرهم الغرب وأناقة باريس وضباب لندن ومتاهة نيويورك... يحبون كل شيء غربي لأنه «برنجي» حتى لو كان مبتذلاً. يفعلون ذلك ليس لأن العالم العربي سيئ، وثقافته محتضرة ومحنطة وتابعة وأسيرة ماضيها، أو لأن بيروت والقاهرة ودمشق لا تحتضنهم وتلبي طموحاتهم، بل لأنهم يريدون إرضاء الجمهور الغربي وأروقة الثقافة الغربية التي تستضيفهم وتتصدق عليهم ببعض الرواتب الشهرية أو بثمن بعض الرحلات إلى المدن والعواصم والمهرجانات. في هذا المشهد، يبدو «المثقف» العربي ضعيف الشخصية وعديم الثقة بنفسه. إنه، بشكل من الأشكال، يشبه المواطن العربي «الجريح» الذي ينام ويفيق ويحنّ إلى زمن الأندلس أو زمن عبد الناصر. هكذا بين حنين المواطن العربي إلى الأندلس المفقود وحماسة المثقف العربي الى الجنة الغربية الموعودة، تتقعّر هوة أزمة الثقافة، وتزداد كليشيهات التنظير وتغزو الفضائيات الرخيصة كل بيت. ثمة أيضاً دور نشر غربية توظّف كتاباً عرباً لتدوين الحكاية (الخرافة) الشرقية المولودة منذ سحر المجتمع الغرب بعالم «ألف ليلة وليلة» و{الحمام التركي» و{الحريم والشرقي»، ومنذ كرَّست موجة الاستشراق الغربي آلاف الكتب للحديث عن هذا الموضوع. بالطبع، ليس أهل الاستشراق وحدههم المسؤولين عن صورة الشرق وسلبياته، فمن يتابع بعض الكتب العربية - التراثية يلاحظ أن الكتَّاب الأسلاف ساهموا بشكل فاعل في ترسيخ صورة الشرق السلبية التي لا تزال سائدة إلى الآن، وأضيفت إليها مسألة العربي الإرهابي أو الـ{بن لادني». من يتابع الروائي المغربي الطاهر بن جلون أو الروائي الجزائري ياسمينا خضرا يعرف ما الذي يحبه القارئ الغربي، ويشعر بالصدمة حين تكون روايات زائعة الصيت في الغرب أقل من المستوى فنياً وتقنياً وموضوعياً، وتحظى باهتمام الغربيين لمجرد أنها تتحدث عن الإرهاب أو الأسطورة الشرقية، وهذا الأمر يذكرنا بثقافة الكبت في العالم العربي. فهل علينا أن نفتخر بأن رواية فلان ترجمت الى الفرنسية والإنكليزية؟ الترجمة مجرد حدث عابر وبديهي ولا يستحق هذا الضجيج كلّه. كذلك، يشتم الكتَّاب العالم العربي غالباً لأنه لا يقرأ، والسؤال: هل القراءة ضرورة؟ وأي كتاب يجب أن نقرأ؟ في الواقع ثمة ملامح تعبّر عن المجتمعات، في أوروبا مثلاً يشتري المواطن رواية الـ{باست سيلر» ويصعد في القطار يتسلى بها حتى نهاية الرحلة ويتركها على الكرسي كعلبة دخان فارغة أو ككيس «تشيبس»، إنه كمن يتابع فيلماً مصرياً من الدرجة العاشرة. في العالم العربي، لا تبدو الصورة على هذا النحو. فالـ{باست سيلر» لا يزال يتعلق بالكبت والوجدانيات الجبرانية. بل أكثر من ذلك، زائر معارض الكتب يلاحظ أن وقع الغيب مسيطر على كل شيء، فالكتب الدينية هي الأساس، وكثر يقرأونها باعتبارها تعبّد الطريق إلى الجنة.
توابل - ثقافات
شظايا عربيّة
05-11-2010